إنت بتتعلم من الفشل أكتر بكتير ما إنت بتتعلم من النجاح وده درس لازم تخليه في دماغك دايماً ولو عايز تتعلم من حد روح إتعلم من حد فشل مش من حد نجح .. أنا حبقي متفهم جداً إنك تكون مستغرب كلامي وده منطقي .. الفنان (عبدالحليم حافظ) الله يرحمه هو اللي غني الناجح يرفع إيده ويغني في عيدنا وعيده وده اللي إنت بتشوفه علي السوشيال ميديا كتير دلوقتي إن أي حد عمل حاجة في حياته تلاقيه طلع عمل بودكاست إزاي إنه جاب التايهه ولو إنت بتسمع الكلام ده وبتحاول تتعلم منه يبقي إنت بتودي نفسك في داهية والنهاردة أنا مش بس جاي أقولك العكس ده أنا جاي أقنعك بيه عن طريق إني أحكيلك قصة وقصة النهاردة كانت درس قاسي أكنه جردل مايه مثلجة نزل فوق دماغ القوات الجوية الأميريكية في عز الشتا عن إزاي لما تيجي تتعلم روح إتعلم من الفشل مش من النجاح.
يوم 14 أكتوبر 1943 كانت الناس اللي شغالة في قيادة سلاح الجو الأميريكي بيبصوا لبعض وبيقولوا لنفسهم إنت جامد زحليقة .. لا إنت اللي جامد زحليقة .. لا إنت اللي جامد زحليقة .. في اليوم ده القوات الجوية الأميريكية نفذت واحدة من أكبر الغارات الجوية في تاريخ البشر لما استهدفوا مصانع الرومان بلي Ball Bearing في حتة اسمها شفاينفورت Schweinfurt في ألمانيا في عز ما الحرب العالمية الثانية كانت مولعة .. الغارة دي كانت ناجحة جداً في تدمير عصب الصناعة العسكرية الألمانية لدرجة إن الألمان سموا اليوم ده بالخميس الأسود Black Thursday وكلنا عارفين إن لما عدوك يسمي اليوم اللي إنت حطيت عليه فيه بإنه يوم أسود يبقي إنت من حقك تقول علي نفسك أنا جامد زحليقة بس الحقيقة الأرقام لما تبصلها حتبدأ تهرش في شعرك وتبص للأمريكان وتسألهم السؤال المنطقي .. أنتوا فرحانين بإيه بالضبط؟ .. إنت أقلعت من بريطانيا معاك 291 قاذفة قنابل طراز B-17 منهم 77 قاذفة أسقطوا بنيران الدفاع الجوي الألماني .. منهم 110 قاذفة وقعوا في طريق العودة بسبب الضرر اللي حصل للطيارات ومرجعش بالسلامة غير 33 قاذفة بس .. إنت قصاد غارة شارك فيها 2,900 عسكري خسرت منهم 600 بمعدل 20% من إجمالي القوات اللي شاركت .. ده لو حتسميه نجاح فإنت لازم تحط جنبه إنه حصل بخساير شنيعة في الأرواح والمعدات .. فتاني بنسأل .. أنتوا كنتوا فرحانين بإيه بالضبط؟
فيه ناس جوه سلاح الجو كانت بتسأل نفسها السؤال ده .. معدل الخساير اللي إحنا بنتعرضله مش منطقي وده معناه إن فيه شغل لازم يتعمل في حتة ما يسمي معدلات البقاء Survival Rates يعني النسبة المئوية للطيارات اللي بتقع مينفعش يبقي عالي أوي كده .. مش مقبول أروح فرح بزفة فيها 10 عربيات يتقلب منهم 5 في حادثة والمفروض الخمسة اللي فاضلين يروحوا الفرح ويرقصوا ويهيصوا عادي ولا كأن 50% من الناس اللي كانت المفروض تروح الفرح مراحتش .. الحل المنطقي كان إن كل الشاسيه بتاع القاذفة B-17 يتحطله دروع من الصلب كحماية إضافية من طلقات المدافع المضادة للطيارات بس الحل ده إترفض .. ليه؟ .. قالك ما إنت عشان تزود الدروع دي فوزن الطيارة كله حيزيد فده معناه إن عشان موتور الطيارة يستحمل يطير بيها لازم نخفف وزن حاجات تانية ومفيش حاجة فاضلة غير الذخيرة والقنابل والبنزين فمعلش يعني إحنا في حرب فمينفعش نلعب في حجم خزان البنزين ولا كم الذخيرة اللي الطيارة بتشيلها .. ده حط الناس جوه سلاح الجو اللي بتدور علي حل قصاد واقع إن لو مش حنحط دروع لشاسيه الطيارة كله يبقي علي الأقل نختار أماكن معينة هي اللي نحميها .. فكر فيها إنك بتفكر تحط دروع لعربيتك .. إيه هي الأماكن اللي لو إنت عايز تخلي عربيتك تفضل ماشية مهما حصل ومهما إتضرب عليها نار لازم تحميها؟ .. بسيطة .. خزان البنزين والموتور وممكن الفتيس والعجل .. طب لو حتختار مكان واحد أو مكانين بالكتير عشان خلي بالك من حتة الوزن دي فياتري تضحي بمين؟ .. اللي المفروض يجاوب علي السؤال ده مش حد ميكانيكي ولا مهندس ولا طيار حتي .. اللي يجاوب علي السؤال ده حد بتاع إحصاء.
إنت قدامك حاجة من إتنين .. يا إما الموضوع منطقي فشخ أو Systemic اللي هو الطيارات دي مبنية بطريقة معينة هندسياً فأول ما طلقة تيجي مثلاً في الموتور أو خزان البنزين أو الجناح تلاقيها بتقع زي الطوبة .. يا إما الموضوع عشوائي فشخ Random اللي هو كل طيارة بمزاجها وممكن طيارة تتضرب في الجناح تقع وطيارة تانية تتضرب في الموتور تقع .. لو الموضوع Systemic فسهلة حتشوف مين هو المكان اللي إحصائياً كل ما يتضرب الطيارة تقع وتحط دروع عليه وخلصنا .. لو الموضوع Random فصدقني مش حتفرق تحط دروع أو متحطش وسيب الطيارات زي ما هي وقدر الله ما شاء فعل .. عشان أصلاً نفهم إحنا إيه وضعنا فسلاح الجو جاب أستاذ جامعي إسمه (إبراهام والد Abraham Wald) كان استاذ قسم الإحصاء في جامعة كولومبيا وسبب إنهم جابوا البني أدم ده بالذات إن دكتور (والد) كان شغال علي حاجة بعد كده عملت ثورة في مجالات كتير وهي تحليل البقاء Survival Analysis ومع أول بصة دكتور (والد) بقي فاهم هو محتاج إيه .. سقوط الطيارات عشوائي فشخ يعني مثلاً طيارة وقعت عشان الجناج بتاعها إتضرب فالمفروض إن نسبة سقوط الطيارة تتناسب طردياً مع حجم الجناح .. فيه أجزاء من الطيارات حجمها أكبر بكتير من أجزاء تانية وده بيخلي إحتمال إن الجزء ده يتضرب بطلقات الدفاع الجوي أكبر بكتير من الجزء اللي حجمه صغير .. حلو بدأت تندع أهي.
الناس سمعت كلام الأخ (إبراهام والد) .. حطوا دروع علي المناطق اللي هو قال عليها .. ولا الهوا .. لسه Survival Rates زي ما هي رايحة في داهية .. طب المشكلة فين؟ .. المشكلة اللي هو فهمها بعد كده وعلمها لينا هي إنك نسيت تبص علي المعطي الأهم في المسألة وهو الطيارات اللي وقعت مش اللي رجعت بالسلامة .. فكر فيها كده .. لما 33 طيارة يرجعوا من اصل 291 فتقوم تركز شغلك علي إيه اللي خلي 33 طيارة ترجع فده غلط مش صح لإنك كان المفروض تسأل نفسك إيه اللي خلي الطيارات اللي وقعت تقع؟ .. بمعني أخر .. عارف كل المناطق اللي دكتور (والد) قال إنها لازم يتحطلها دروع بناء علي إحصائيات الطيارات اللي رجعت؟ أهو المفروض الدروع دي تتشال زي ما هي كده وتتحط في كل المناطق اللي هو مجابش سيرتها لإن دي المناطق اللي لما إتضربت في الطيارات اللي مرجعتش وقعت وده اللي فهمه دكتور (والد) عشان يحطلنا بعد كده فكرة إنحياز البقاء Survival Bias اللي هو إنت بتروح تجري ورا حالات النجاح تتعلم منها وتدرسها ومخك بيخليك تتجاهل حالات الفشل مع إن حالات الفشل دي كنز من المعلومات اللي لو عرفت تقرأها صح صدقني حتبقي بني أدم فاهم إنت بتعمل إيه.
المصدر: مقالة بعنوان This WWII Story Made Us Better Thinkers نشرت في مجلة Nautilus وده لينك المقالة الأصلية:
https://nautil.us/this-wwii-story-made-us-better-thinkers-353414/