خلينا نبقي واضحين سوا إن الجراحات الطبية Medical Surgery هي واحدة من أهم الإنجازات الطبية في تاريخ البني أدمين .. فيه ناس كتير عايشة بسبب إنها عملت جراحة أنقذت حياتها وده راجع لملايين الجراحين حول العالم كله اللي زيهم زي أي مهنة في الدنيا فيه منهم اللي إيدهم تتلف في حرير وفيه منهم اللي أخرهم يبقي حلاق بس مش دي القضية اللي عايزين نتكلم عنها .. اللي عايزين نتكلم عنه هو الحاجة اللي مفيش جراح أو دكتور تخدير بيكلم المريض عنها وهي إن جسمك قبل ما يعمل العملية الجراحية بيكون حمادة وبعد ما بيطلع من العناية المركزة بيبقي حمادة تاني خالص .. عايزين نتكلم عن القفا العباسي اللي بيحصل لجسمك وبالأخص قدراتك العقلية بعد ما تاخد شوية أدوية تنيمك أحلي نومة تخليك تاكل رز مع الملايكة عشان جراح ماسك مشرط يفتحك زي ما الميكانيكي بيفتح كبوت عربيتك يحللك الموتور ويرجع يركبه تاني .. النهاردة حنتكلم عن حالة طبية اسمها الإختلال الذهني اللي بعد العمليات الجراحية أو Postoperative Cognitive Dysfunction واللي إختصاراً بيسموه POCD.
أول واحد جاب سيرة الموضوع ده كان دكتور طلياني إسمه (ماريو سيبيلي Mario Cibelli) وده دكتور تخدير شغال في مستشفي جامعة بيرمنجهام البريطانية .. دكتور (ماريو) سنة 2004 كان بيحضر مريض عنده 75 سنة حيعمل عملية قلب مفتوح لما قبل ما يودوه أوضة التخدير بنت المريض طلبت تقول كلمتين للدكتور .. (ماريو) سمع بنت المريض وهي بتحكيله إنها مرعوبة علي باباها فهو تخيل إنها خايفة إن العملية نفسها ممكن تكون خطر علي حياته بس هو إكتشف حاجة تانية .. هي قلقانة علي باباها عشان من سنتين هو عمل عملية قبل كده في القلب برده بس هو طلع من العملية متغير .. أبوها كان دكتور فيزياء في الجامعة وكان لاعب شطرنج محترف بس لما طلع من العملية زي ما يكون نسي هي الشطرنج دي بتتلعب إزاي ومبقاش عارف يكمل لعبة الكلمات المتقاطعة .. زي ما يكون التخدير أو العملية نفسها أثرت علي قدرة باباها العقلية .. لو مخ باباها كان كومبيوتر 32 جيجا رام فزي ما يكون لما خرج من العملية بقي 4 جيجا رام بس .. دكتور (ماريو) في السنة دي نشر كذا دراسة عن حالات شبه دي .. حالات المريض فيها طلع من التخدير فاقد جزء من قدراته الذهنية والعقلية والحقيقة هو شخصياً إتفاجيء من كم الناس اللي بعتتله إيميلات بتقوله أيوه يا دكتور اللي بتحكي عنه ده حصل هو هو لحد أعرفه.
الغريبة إننا دلوقتي عرفنا إن اللي إتكلم عنه دكتور (ماريو سيبيلي) سنة 2004 فيه دكاترة تانية خدت بالها من سنين بس محدش إهتم باللي هم قالوه .. طلع إن فيه دراسات طبية إتنشرت سنة 1887 في مجلة طبية محترمة إسمها British Medical Journal عن حالات فقدان ذاكرة حصلت لمرضي بعد ما فاقوا من التخدير الكلي اللي بيكون قبل العمليات الجراحية الكبيرة .. بداية من سنة 1980 بدأ دكاترة تتكلم عن المرضي اللي عادة بيكونوا فوق 65 سنة لما بيفوقوا من التخدير الكلي نسبة منهم بتعاني من فقدان ذاكرة أو ضعف في القدرات الذهنية .. خلال العشرين سنة اللي فاتوا إتعملت دراسات كتير قالت إن كبار السن اللي عندهم أمراض مزمنة هم أكتر ناس معرضة إن يجيلهم POCD بعد التخدير الكلي والحقيقة إن الأرقام فعلاً مرعبة .. المرضي من كبار السن اللي بيجيلهم POCD بعد ما يفوقوا من التخدير الكلي مباشرة بيكونوا ما بين 50-80% من المرضي وهنا أنا بتكلم عن أعراض متنوعة من فقدان ذاكرة لصعوبة في التركيز لضعف في المهارات العقلية .. المرضي من كبار السن اللي بيجيلهم POCD بعد ست أسابيع من العملية نسبتهم 20-50% .. المرضي اللي بيجيلهم POCD بعد ست شهور من العملية بيكون نسبتهم 10-30% .. شوف فيه كام عملية جراحية بتتطلب تخدير كلي بتحصل في مصر كل سنة وإحسب نسبة المرضي اللي بيعملوا العمليات دي و يكونوا فوق 65 سنة وإنت حتبدأ تعرف حجم المشكلة اللي إحنا فيها.
المشكلة إن لحد دلوقتي محدش عارف هو إيه السبب ورا POCD وزي ما دايماً بقول في غياب المعلومة المؤكدة فنسبة الهبد بتزيد بمعدل تصاعدي .. فيه ناس شايفة إن المشكلة كلها في التخدير لإن أغلب العمليات الجراحية دكتور التخدير بيخليك تتنفس غاز بيدخلك في سابع نومة والغازات دي بتلعب في كيمياء المخ بحيث زي ما بنقول كده بتسحب من الرامات بتاعة مخك رغم إن لحد دلوقتي مفيش دليل مادي واحد بيقول إن الكلام ده صح .. ناس تانية شايفة إن المشكلة لما الدكتور يخرتقك بالمشرط .. لما حضرتك تتعور حتي لو تعويرة خفيفة فإنت بتشوف دم بينزل وبعد كده النزيف بيقف والدم بيتخثر وبتشوف شوية إلتهابات أو Inflammation مكان التعويرة .. تخيل بقي إن التعويرة دي مكان مشرط بيشق صدرك نصين .. بيبقي فيه مولد إلتهابات ويبقي نهار أسود لو بتتكلم عن عمليات مخ و أعصاب لإن ساعتها الإلتهابات دي بتكون في المخ وساعتها بيبقي عندك مشكلة إسمها Blood-Brain Barrier أو BBB .. فيه دم بيجري في مخك فلو الإلتهابات دي أثرت علي أنسجة المخ بيبقي عندك مشكلة خصوصاً في حتة من المخ إسمها Hippocampus والعربي بتتسمي قرن أمون ودي المسئولة عن الذاكرة .. دي تبقي الهارد ديسك بتاع المخ.
الحل إن فيه كلام علي إن دلوقتي المرضي كبار السن والاطفال لازم يتدرسوا كويس قبل ما يتقرر إنهم يتعملهم عملية جراحية بتخدير كلي .. لازم إحتمالية إستخدام تخدير موضعي تتدرس ليهم الأول .. في تجارب علمية إتعملت علي القردة قالت إن القرد الطفل لما بيتعمله عملية جراحية بتتطلب تخدير كلي فالقردة الصغيرين بيطلع عينهم في رحلة تعلمهم المهارات الأساسية العادية .. صحيح وخدامك إن أي محاولة لتطبيق نتايج الدراسات دي علي البشر حتبقي صعبة عشان رحلة تعلم الطفل البشري معقدة بسنين ضوئية عن اللي القردة بس الفكرة نفسها واضحة .. الشغل اللي عمله دكاترة كتير لحد دلوقتي حطنا علي أول الخط .. المرضي اللي ممكن يبقي عندهم مشكلة كبيرة مع التخدير الكلي هم اللي فوق 65 سنة واللي أقل من 3 سنين .. الأطفال أقل من 3 سنين كل ما بيتعرضوا لتخدير كلي أكتر بسبب عدد العمليات الجراحية اللي بيتعرضولها كل ما قدراتهم الذهنية بتتأثر .. فيه دكاترة زي (هينريك كيهليت Henrik Kehlet) وده دكتور دانمركي من التسعينات وهو شغال في موضوع حماية المرضي من التأخر الذهني بعد ما يفوقوا من التخدير الكلي .. الرجل ده شايف إن شوية تدريبات عضلية وذهنية ممكن تساعد المريض إنه يتخطي تأثير التخدير.
المصادر:
- مقالة بعنوان The hidden long-term risks of surgery: It gives people’s brains a hard time نشرت في جريدة The Guardian البريطانية وده لينك المقالة الأصلية:
https://www.theguardian.com/science/2022/apr/24/the-hidden-long-term-risks-of-surgery-it-give-peoples-brains-a-hard-time
