تابعونا

الجسر الجوي لإنقاذ برلين .. فلتبدأ الحرب الباردة.

الأوروبيين كانوا مستنيين سبب يفرحوا عشانه بعد ما الحرب العالمية الثانية خلصت .. هي طبيعة البشر كده ما بيصدقوا يلاقوا حاجة يفرحوا عشانها بعد سنين النكد .. الجسر الجوي لإنقاذ برلين إستمر حوالي 15 شهر .. خلال الفترة دي الطيارين قدروا ينقلوا 2.4 مليون طن من الأكل والبنزين لبرلين .. خلال الفترة دي مات 79 بني أدم عشان برلين متموتش من الجوع .. الفترة دي كانت السبب في إنشاء أكبر تحالف عسكري في تاريخ البشر اللي هو حلف شمال الأطلنطي.

19 مارس، 2020 2.9 ألف

لينك التسجيل الصوتي للمقالة علي Sound Cloud:
https://soundcloud.com/user-112011687-312727988/oeie5bjjmisb

الحرب الباردة أو Cold War من الأحداث التاريخية اللي كلنا عارفين إنها حصلت بس مش فاهمين أوي هي حصلت ليه؟ وإزاي؟ وخلصت علي إيه؟ .. الحرب الباردة دي حرب غريبة في كل حاجة .. السبب اللي بدأت به غريب .. الطريقة اللي إتحاربت به غريبة .. الطريقة اللي خلصت بيها أغرب .. وأنا بحكي القصة بتاعة النهاردة إنت إحتمال كبير متبقاش مستوعب إن فيه بني أدمين بالإستهتار والغرور والغباء ده ويشاء ربنا إنهم يتحطوا في مراكز صنع القرار في لحظات سودا من تاريخ البشر .. وأنا بحكي القصة حتبدأ تقتنع إن مش معني إن فيه شخص إتحط في منصب كبير وبقي مسئول عن أرواح ناس إن ده بالضرورة معناه إنه بني أدم بيفهم .. لا خالص .. يا ما ناس في مراكز سلطة وبهايم عادي جداً .. الهدف من المقالة دي إننا نحكي حكاية إزاي الحرب الباردة بدأت؟ وخلال مقالات تانية حنبدأ نتكلم عن شوية أحداث جوه الحرب الباردة وإزاي الحرب دي خلصت؟ .. بس خلينا منسبقش الأحداث ونحكي القصة من الأول.

البداية خالص كانت مع نهاية الحرب العالمية الثانية .. اللي حصل إن ألمانيا إتقسمت نصين: النص الشرقي تحت إيد السوفييت اللي هم الروس دلوقتي والنص الغربي تحت إيد الغرب اللي هم الأمريكان والإنجليز والفرنساويين .. حتي العاصمة برلين إتقسمت .. علي الخريطة يبان إن برلين موجودة في النص الشرقي من ألمانيا يعني المفروض إنها تبقي تحت إيد السوفييت بس برلين إتقسمت برده .. نص شرقي تحت إيد السوفييت ونص غربي تحت إيد الأمريكان .. فعلياً التقسيم مش هو المشكلة .. المشكلة كانت في الدماغ .. دماغ السوفييت فيما يتعلق بالإجابة عن سؤال هم شايفين ألمانيا إزاي كانت مختلفة خالص عن دماغ الغرب لمستقبل ألمانيا .. السوفييت من وجهة نظرهم إن خلال أقل من 30 سنة الألمان جم إحتلونا مرتين وقتلوا ملايين من شعبنا فإحنا مش عايزين ده يحصل تاني .. السوفييت كانوا عايزين يكسروا ألمانيا .. كانوا عايزينها تبقي دولة من الدول اللي بتشكل الإتحاد السوفيتي زيها زي أوكرانيا مثلاً أو قيرغيستان .. عايزينها دولة بتصحي وتنام علي هتاف يحيي زعيم الأمة (جوزيف ستالين Joseph Stalin) .. الأخ (ستالين) مكنش عايز حاجة غير إن المانيا الشرقية تحكمها حكومة بتتحرك بإشارة منه ومش عايز أي وجود لأي عسكري غربي في ألمانيا.

الأمريكان والإنجليز علي الناحية الثانية كانوا شايفين حاجة تانية خالص .. هم كانوا شايفين إن لولا الأزمة الإقتصادية اللي عاشتها ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولي مكنش (أدولف هتلر) ظهر .. هم عايزين ألمانيا بلد إقتصادياً جامدة زحليقة .. عايزين ألمانيا بلد ديموقراطية بحيث تبقي هي السور اللي بيحمي أوروبا من خطر المد الشيوعي السوفيتي .. وجهتين نظر زي ما إنت شايف عكس بعض في كل حاجة .. بمجرد نهاية الحرب العالمية الثانية والسؤال مكنش هو يا تري هل السوفييت والأمريكان حيمسكوا في خناق بعض؟ .. السؤال كان إمتي ده حيحصل؟ .. وزي أي خناقة في الدنيا بتبدأ إن فيه حد مديون لحد ومش عارف يسدد الفلوس اللي عليه.

خريطة تقسيم ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية .. اللون الأحمر ده الجزء اللي تبع السوفييت من ألمانيا بما فيها العاصمة برلين .. اللون الأخضر يبقي الجزء اللي تبع البريطانيين .. اللون الأصفر هو الجزء اللي تبع الأمريكان .. أما اللون الأزرق فده الجزء اللي تبع الفرنساويين.
العاصمة برلين وإن كانت موقعها الجغرافي بيحطها في النص السوفيتي من ألمانيا إلا إن برلين هي كمان إتقسمت .. النص الشرقي تبع السوفييت .. النص الغربي تبع الثلاثي فرنسا وبريطانيا وأميركا.

لمدة 3 سنين من 1945 لحد سنة 1948 وألمانيا بتعيش أزمة إقتصادية إنت يمكن متكونش تقدر تستوعبها دلوقتي فخليني أحاول أبسطهلك .. تخيل نفسك عايش في بلد لسه طالعه من حرب .. الغارات الجوية دمرت المصانع وخطوط السكك الحديد .. البنية التحتية تقريباً مش موجودة .. مفيش صرف صحي والمياه والكهرباء شبه مقطوعين علي طول .. مفيش أي عملية إعادة إعمار .. البيوت اللي وقعت متبنتش .. الناس عايشه في البدروم بتاع بيوتها .. حتي الأكل قليل لدرجة إن الشعب كله عامل دايت بالإكراه .. الألمان كان كتير منهم مبياكلش غير 900 سعر حراري في اليوم اللي هو أقل حتي من السعرات الحرارية اللي بتاخدها لما بتقرر تعمل دايت .. العملة متداس علي وشها وملهاش أي قيمة لدرجة إني لو حبيت أروح أشتري رغيف عيش ثمنه بيوصل لمرتبي كله في الشهر .. الإقتصاد واقع لدرجة إن العملة اللي الناس بتستخدمها مش الجنيه إنما السجاير .. الناس عايشة يا إما علي التهريب أو المساعدات الغذائية أو الدعارة.

كان فيه كذا حل بس كل الحلول بتخبط في حيطة الخناقة علي مستقبل ألمانيا .. كل ما الغرب يفكر يعمل شوية إصلاحات إقتصادية السوفييت يبوظوها .. السوفييت مش من مصلحتهم إن ألمانيا تقف علي رجلها .. هم عايزين يدوسوا علي وش الألمان لحد ما الألمان يقولولهم تعالوا إنقذونا وأمرنا لله .. سنة 1948 الأمريكان والإنجليز والفرنساويين إتفقوا من ورا ظهر السوفييت علي إن جه الوقت إن يتم الإعلان عن دولة ألمانيا الغربية وإن يبقي ليها عملتها المستقلة اللي هي المارك الألماني .. لما (ستالين) جاله خبر قال بااااااس هم غلطوا وأنا كنت مستنيهم يغلطوا.

يوم 23 يونيو 1948 القوات السوفيتية حاصرت برلين .. خط السكة الحديد والطرق السريعة اللي كان الأمريكان بيوصلوا بيها الأكل والشرب والسلاح لقواتهم اللي في برلين إتقفلت .. عشان محطة الكهرباء بتاعة برلين موجودة في النص الشرقي من المدينة فالسوفييت بداية من اليوم ده قطعوا الكهرباء عن غرب المدينة .. الوضع كان زي الزفت .. في الإجتماع بتاع مجلس الأمن القومي الأميريكي اللي إتعمل بعد إعلان حصار برلين ب3 أيام الجنرالات والمستشاريين والناس التقيلة في البلد قاعدين يتخانقوا مع بعض قصاد الرئيس (هاري ترومان Harry Truman) .. ألمانيا مقسومة نصين: نص تبع السوفييت ونص تبع الأمريكان والإنجليز والفرنساويين .. العاصمة برلين حظها الأسود إنها جوه النص اللي تحت إيد السوفييت وبينها وبين النص اللي تبع الأمريكان حوالي 350 كليومتر يعني حاجة كده شبه المسافة بين القاهرة والإسكندرية .. القوات السوفيتية محاصرة برلين وده معناه إن القوات الأميريكية والإنجليزية والفرنسية اللي قاعدة في غرب برلين فعلياً حيموتوا من الجوع .. برلين كلها حتموت من الجوع .. المدينة مفيش فيها غير كمية عيش تكفيها 36 يوم وكمية فحم تكفيها 45 يوم .. حتي عدد القوات الأميريكية والإنجليزية والفرنسية اللي في غرب برلين متجيش حاجة قصاد جحافل الجيش السوفيتي اللي محاصراهم .. المستشارين والجنرالات حطوا قدام (هاري ترومان) 3 إختيارات ملهمش رابع :

  • الإختيار الأول هو الإنسحاب .. إن يتم سحب القوات الغربية من برلين بس لو ده حصل فكأن الغرب بيعلن من دلوقتي إن إحنا أضعف من إننا نقف قصاد السوفييت.
  • الإختيار الثاني هو الصبر .. مشكلة الحل ده إن السوفييت ممكن يستنوا لحد ما الأكل والفحم في برلين يخلصوا وساعتها أهل المدينة مش حيبقي قدامهم بديل غير إنهم يطردوا القوات الغربية ويقبلوا حكم السوفييت مش لسبب غير إن عيالهم بتموت من الجوع.
  • الإختيار الثالث هو الحرب .. أميركا تبعت قافلة مدرعة شايلة مساعدات غذائية ولو السوفييت وقفوها يضربوهم بالنار حتي لو ده معناه الحرب العالمية الثالثة تولع.

بس وسط الخناقة إتقال حل رابع ..  الإنجليز قالوا دي مش أول مرة السوفييت يقطعوا السكة الحديد اللي الأمريكان بيستخدموها لتوصيل الأكل والشرب لقواتهم اللي في برلين بسبب خناقة بين الأمريكان والسوفييت وفي كل مرة الموضوع بيتحل بإن المساعدات تتنقل بالطيارات بدل القطر .. هنا السؤال هو يجري حاجة لو وفرنا إحتياجات برلين من الأكل والشرب والبنزين والأدوية بالطيارات؟ .. في الأول الجنرالات الأمريكان إستبعدوا الفكرة بس الإنجليز قالولهم إستهدوا بالله بس وخلونا نحسبها .. الإنجليز بحكم تجربتهم أيام معركة بريطانيا ولإن الألمان كانوا محاصرين إنجلترا كلها فهم عارفين يحسبوها إزاي؟ .. بالورقة والقلم والألة الحاسبة الإنجليز قالوا إن برلين محتاجة يوصلها 4000 طن بترول وأكل كل يوم وعشان الكمية دي تروح علي متن طيارات C-47 اللي هي كانت طيارات النقل المستخدمة في سلاح الجو الأمريكاني فإنت محتاج 1,300 رحلة جوية يومياً .. الجنرالات الأمريكان بصوا للأرقام دي وقالوا للإنجليز هو أنتوا فاهمين ومستوعبين إنتوا بتقولوا إيه؟ .. إنتوا دارسين الكلام ده؟ .. (هاري ترومان) بص لجنرالاته وقالهم لو عندكوا فكرة أحسن يا ريت تقولوها .. الجنرالات الأمريكان بصوا لبعض وقالوا طب يلا نجرب.

مواطنين ألمان عايشين في ألمانيا الغربية بيملوا جرادل مياه من عسكري الحريق أو Fire Hydrant يوم 3 يوليو 1948 عشان السوفييت قطعوا مياه الشرب والكهرباء عن غرب المدينة.

يوم 26 يونيو 1948 بدأت أول رحلات الجسر الجوي لإنقاذ برلين .. رغم إن السوفييت حلفوا علي الإنجيل .. هم فعلياً السوفييت شيوعيين ملهمش ديانة فخلينا نقول إنهم حلفوا علي الكتب بتاعة (لينين) و(كارل ماركس) ..  إن لو طيارة أمريكاني طارت فوق برلين حيضربوها بس ده محصلش .. المدافع المضادة للطيارات فضلت ساكتة .. فعلياً المشكلة كانت أكبر من هل السوفييت حيضربوا الطيارات وهي طايرة أو لا؟ .. المشكلة كانت إن زي ما يكون الأمريكان بينفخوا في قربة مخرومة .. لمدة إسبوعين من الرحلات الجوية أقصي حمولة عرفوا يوصلوها لبرلين كانت 1000 طن بنزين وأكل في اليوم .. الحسبة اللي الإنجليز حسبوها قالت إن الرقم ده محتاج يزيد يبقي 4000 طن.

الظروف كانت معاكسة بشكل مستفز .. سلاح الجو الأميريكي مكنش عنده عدد الطيارات C-47 اللي تكفي .. مطار تيمبلهوف العسكري اللي في غرب برلين اللي الطيارات بتهبط فيه مكنش متسفلت .. المطار كانت أرضيته نجيلة فبعد كل ما طيارة تهبط لازم ناس تقص النجيلة تاني وتساويها عشان الطيارة اللي وراها تهبط .. مش بس كده .. مكان المطار نفسه كان مستفز لإنه إتعمل جنب مباني سكنية فالطيار وهو بيهبط لازم يخلي باله كويس أوي لإن أحيانا المسافة بين سطح العماير اللي حولين المطار وعجلة الطيارة أثناء الهبوط بتوصل خمسة متر بس .. الطيارين الأمريكان كانوا بيطيروا 24 ساعة 7 أيام في الإسبوع .. لا الطيارين ولا الفنيين ولا المهندسين بتوع الصيانة ولا حتي الطيارات نفسها إتعملت عشان تشتغل بالمعدل الأوفر ده .. كل المشاكل دي كانت كافية جداً إنها تحبط أي حد من اللي بيشاركوا في عملية إنقاذ برلين .. أنا أقدر أفهم جداً إن أكيد كانوا حاسين إنهم بينفخوا في قربة مخرومة .. بس اللي هم مكانوش متوقعينه إن عملية إنقاذ برلين يكون ليها تأثير إيجابي جداً علي الروح المعنوية مش بس للألمان إنما لأوروبا كلها.

عساكر أمريكان بيرصوا شولة دقيق جوه طيارة C-47 من قاعدة راين ماين Rhein-Main في مدينة فرانكفورت في ألمانيا الغربية واللي كانت أهم مطار للطلعات الجوية ضمن عمليه الجسر الجوي لإنقاذ برلين.

الأوروبيين كانوا مستنيين سبب يفرحوا عشانه بعد ما الحرب العالمية الثانية خلصت .. هي طبيعة البشر كده ما بيصدقوا يلاقوا حاجة يفرحوا عشانها بعد سنين النكد .. المواطنين الإنجليز اللي كانوا طالع عين أهاليهم من الغارات الجوية الألمانية علي بلدهم بقوا يتطوعوا بالدم والأكل والشرب عشان يودوه لبرلين .. كتير من الفنيين والمهندسين الإنجليز اللي تبع سلاح الجو الإنجليزي إتطوعوا عشان يروحوا يساعدوا .. حتي الألمان نفسهم اللي كانوا مش طايقين الطيارين الأمريكان اللي خسفوا ببيوتهم الأرض في الحرب دلوقتي بقي علي قلبهم زي العسل إنهم يساعدوهم في عملية إنقاذ برلين .. بس كل ده ميمنعش إن العملية كانت ماشية ببركة دعاء الوالدين .. فيه حاجات بالهبل ماشية غلط وبالبركة وبالهبد وبالحب وده مينفعش .. العملية دي محتاجه رجل دماغه متكلفة يمسكها والرجل ده كان الجنرال (وليام تانر William Tunner).

ده كان جنرال في سلاح الجو الأميريكي وده رجل لو حبيت تفهم دماغه فزي ما إنت لما تتفرج علي فيديو كليب بتاع (روبي) وهي بترقص علي العجلة وتنشكح من الإنبساط فالرجل ده لما بيشوف رسم بياني بيقول في سره يا أرض إحفظي ما عليكي .. الرجل ده بيعشق الرسومات البيانية .. بيموت فيها .. بيشوف الرسم البياني يركبه مية عفريت .. في الحرب العالمية الثانية الرجل ده هو اللي لقي إجابة لسؤال إزاي سلاح الجو الأميريكي يطير بطيارات C-47 للنقل عشان يودي مساعدات غذائية وأسلحه للثوار الصينيين ضد الإحتلال الياباني؟ .. دلوقتي الرجل ده إتطلب منه إنه ينقل 4000 طن أكل وبنزين يومياً لبرلين .. إزاي حيعمل ده؟ .. زي أي مهندس بقي مطلوب منه يلم منهج مادة هو مفتحهاش طول السنة عشان عنده فيها إمتحان بكرة فهو قال لنفسه إعمل جدول ميخرش المياه وإمشي عليه:

  • قاعدة رقم واحد .. الوقت بين إقلاع وهبوط أي طيارتين ورا بعض حيكون 3 دقايق لا حيزيدوا ولا حيقلوا .. الطيارة من دول تقلع ووراها ب3 دقايق تقلع الطيارة اللي وراها .. الطيارة من دول تهبط ووراها ب3 دقايق الطيارة اللي وراها تهبط.
  • قاعدة رقم إتنين .. مفيش طيارة حتطير لوحدها .. فيه 5 طيارات حيطيروا فوق بعض كل واحدة علي إرتفاع غير التانية .. الخمس طيارات حيقلعوا ورا بعض وحيهبطوا ورا بعض.
  • قاعدة رقم تلاتة .. بمجرد هبوط الخمس طيارات اللي مع بعض فطاقم المطار قدامه 30 دقيقة مش حيزيدوا ثانية عشان يفضوا حمولة الطيارات.
مجلة TIME الأميريكية حاطه صورة الجنرال (وليام تانر William Tunner) علي Cover بتاعها في العدد اللي إتنشر يوم 18 ديسمبر 1950.

عشان الجنرال (وليام تانر) كان عارف إنه فعلياً بيدوس علي الطيارين والمهندسين بتوعه فهو طلب من القوات البحرية إنها تسلفه شوية طيارين ومهندسين صيانة من عندها .. مش بس كده .. هو بدأ يستخدم طيارات نقل أكبر من طراز C-54 .. كان عارف إن أطقم المطار مش حيبقوا كفاية كعدد إنهم يفضوا كل مجموعة من خمس طيارات في 30 دقيقة فبدأ يأجر مواطنين ألمان عشان يشتغلوا بالساعة .. مش بس كده .. لما هو واجه عجز في مهندسين الصيانة بدأ يجيب المهندسين الألمان اللي كانوا شغالين مع سلاح الجو الألماني وقت الحرب عشان يشتغلوا علي صيانة الطيارات الأمريكاني وخلي الهيئة الهندسية تترجملهم مخصوص الكتالوجات بتاعة الطيارات الأمريكاني من اللغة الإنجليزية للألمانية .. الناس اللي كانوا مبهدلين بعض يدوبك قبلها ب3 سنين في الحرب دلوقتي بقوا شغالين مع بعض إيد واحدة .. الدنيا مشيت زي ما الجنرال عايز .. يوم 12 أغسطس 1948 لأول مرة سلاح الجو حقق التارجت وقدروا ينقلوا 4500 طن مساعدات.

طابور طيارات C-47 في مطار تيمبيلهوف غرب برلين مستنيين إن العمال الألمان والعساكر الأمريكان يفضوا حمولتها من الأكل يوم 1 يوليو 1948.

النجاح اللي حققه الجنرال (وليام تانر) مخلاهوش ينسي إنه قدامه خازوقين لازم يلاقي حل ليهم .. الخازوق الأول إن زي ما (محمد هنيدي) إكتشف في فيلم جاءنا البيان التالي إن أي قناة في الدنيا محتاجه واجهة .. محتاجه وش حلو يبقي هو الواجهة اللي الناس بتشوفها .. في حالة عملية الجسر الجوي لإنقاذ برلين المواطنين الأمريكان مكانوش يعرفوا حاجة عن اللي بيحصل وده محتاج يتغير .. العملية محتاجه واجهة .. الخازوق الثاني هو زي ما (إيدارد ستارك Edard Stark) في مسلسل Game of Thrones كان عمال يقول .. Winter is Coming .. الأمريكان فرحانين أوي بنفسهم عشان لسه الجو حلو بس بمجرد ما الشتاء يجي والجو يقلب العملية دي كلها ممكن تتكنسل .. السوفييت نفسهم كانوا عارفين ده .. السوفييت معترضوش وسيل الطيارات ده عمال يقلع ويهبط في برلين لإنهم كانوا عارفين إنها يدوبك شهرين وديسمبر حيجي .. تعامل الجنرال (وليام تانر) مع الخازوقين دول بالذات يوريك قد إيه العمليات العسكرية اللي بالحجم ده محتاجة يمسكها ناس فاهمة هي بتعمل إيه.

بالصدفة الجنرال لقي إن فيه طيار من الطيارين بتوعه إسمه (جايل هالفرسون Gail Halvorsen) في كل مرة بيجي يهبط بطيارته في برلين بيرمي بارشوتات متعلق فيها حاجة حلوة وشيكولاتات للأطفال الألمان اللي بيكونوا واقفين يتفرجوا علي الطيارات وهي عماله تهبط وتقلع .. كان ممكن الجنرال يهزق الطيار بتاعه ويقدمه لمحاكمة عسكرية وساعتها ده حيبقي منطقي جداً .. إقلاع وهبوط الطيارات بيتعمل بحساب بالثانية .. البنزين اللي إنت بتطير به ده البلد هي اللي دافعه ثمنه .. الست الوالدة مش هي اللي جايبالك الطيارة … بس الجنرال شاف إزاي ممكن الطيار ده يبقي هو الواجهة .. مش بس هو عمم تجربة رمي باراشوتات الحاجة الحلوة والشيكولاتة إنما كمان ودي الطيار (جايل هالفرسون) أميركا عشان يبقي هو المتحدث الرسمي بإسم عملية الجسر الجوي لإنقاذ برلين .. الأمريكان محتاجين بطل منهم مش محتاجين جنرال بنسر ودبورتين .. كانت ضربة معلم من الجنرال لإن ده خلي حتي الأمريكان اللي كانوا معترضين علي العملية وشايفين إن البنزين والأكل اللي بيتبعت برلين ده الأمريكان أولي بيه دلوقتي رجعوا في كلامهم.

صورة حقيقة لأطفال ألمان مستنيين طيارة الطيار (جايل هالفرسون Gail Halvorsen) اللي الألمان سموه Candy Bomber أو قاذف الحاجة الحلوة عشان كان بيرمي باراشوتات فيها شيكولاتات وحاجات حلوة للأطفال.
الطيار الأميريكي (جايل هالفرسون Gail Halvorsen) بيستلم نوط الشجاعة من المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركيل).

نيجي بقي للخازوق الكبير .. الشتاء .. هنا يبان دور تفتيح المخ وإن الجنرال العسكري يسمع كلام العلم .. الجنرال (وليام تانر) طلب يبقي تحت إيده طيارات B-29 ودي طيارات قاذفة كبيرة حبتين عشان يحط فيها خبراء أرصاد جوية .. بتوع الأرصاد الجوية يبدأوا يشوفوا الفتحات جوه العواصف الثلجية اللي ممكن الطيارين يستخدموها .. العمليه كانت بتتم بالبث المباشر وكأن فيه ماتش كورة والمعلق الرياضي بيذيع .. الطيارين يطيروا وهم تقريباً مش شايفين قدامهم بس بتاع الأرصاد الجوية معاه علي الراديو عشان يقوله طير علي إرتفاع كذا بسرعة كذا وحتلاقي الدنيا سالكة قصادك .. الدنيا مشيت معاهم زي السكينة في الجاتوه .. يوم 31 ديسمبر 1948 يوم رأس السنة الطيارين الأمريكان حققوا رقم قياسي إنهم وصلوا 6000 طن مساعدات في يوم واحد.

أحيانا كتير في الدنيا إنت بتبقي بتعمل حاجة عشان هدف محدد في دماغك بس الدنيا بتوسع معاك وبتلاقي حاجات تانية حصلت إنت مكنتش عامل حسابها .. عملية إنقاذ برلين إتعملت أساساً عشان العساكر الأمريكان اللي في غرب برلين يلاقوا أكل وشرب وميموتوش من الجوع من الحصار السوفيتي ليهم .. شوية والعملية بقت لإنقاذ الألمان نفسهم اللي عايشين في غرب ألمانيا .. ولا واحد من الطيارين ولا المهندسين ولا الفنيين اللي شاركوا في العملية كان في دماغه أي هدف سياسي .. لا في دماغهم الخطر الشيوعي ولا بيفكروا في سيطرة السوفييت علي غرب برلين وإيه اللي ممكن يحصل لمستقبل أوروبا؟ .. الحياة بتبقي أبسط من كده في دماغ العسكري .. بس ده ميمنعش إن العساكر والطيارين دول بدأوا حاجة فضلت تكبر وتوسع وتوسع لحد ما بقت هي البداية اللي رسمت مستقبل ألمانيا بالشكل اللي إنت شايفه دلوقتي.

في سبتمبر 1948 فيه واحد ألماني إسمه (إيرنست رويتر Ernest Reuter) كان المفروض إن الألمان إنتخبوه يبقي عمدة مدينة برلين سنة 1947 بس السوفييت مكانوش موافقين عليه وأجبروه إنه ميمسكش المنصب اللي هو أُنتخب ليه .. المهم إن الرجل ده مكنش بيكره في حياته قد السوفييت بس في نفس الوقت هو مش بيموت في غرام الأمريكان أوي يعني .. الأمريكان زيهم زي السوفييت هدوا بيوت الألمان بقصفهم الجوي خلال الحرب بس عملية الجسر الجوي لإنقاذ برلين خلته يشوف إن من مصلحة ألمانيا إنها تتصاحب مع الأمريكان ولا إنها تتجوز السوفييت .. الرجل ده ألقي خطاب جامد زحليقة في مظاهرة كبيرة شارك فيها 300,000 ألماني في قلب العاصمة برلين شتم فيها السوفييت وقال للألمان إن مينفعش بأي حال من الأحوال إننا نرمي نفسنا في حضن الشيوعيين .. في ديسمبر 1948 الرجل ده أُنتخب تاني لمنصب عمدة برلين .. رد السوفييت إنهم عينوا عمدة تاني لشرق برلين .. هنا يبان إن خطة السوفييت فرقعت في وشهم .. متنساش في الأول خالص أنا قلتلك إن حصار السوفييت لبرلين كان سببه إن الناس تموت من الجوع فغصب عنهم يقبلوا سيطرة الإتحاد السوفيتي علي بلدهم .. دلوقتي الوضع إختلف .. دلوقتي الناس بقت رافضة الوجود السوفيتي علي الأقل في غرب برلين .. يوم 12 مايو 1949 السوفييت أنهوا حصارهم لبرلين وفي اليوم ده بدأت الحرب الباردة.

الصيانة كانت صداع في رأس الأمريكان عشان كده كان دور القوات الجوية البريطانية إنها توفر سرب طيارات C-47 مبيعملش حاجة غير إنه عمال ينقل قطع غيار الطيارات ضمن عملية عسكرية البريطانيين سموها عملية السباك Operation Plumber.

الجسر الجوي لإنقاذ برلين إستمر حوالي 15 شهر .. خلال الفترة دي الطيارين قدروا ينقلوا 2.4 مليون طن من الأكل والبنزين لبرلين .. خلال الفترة دي مات 79 بني أدم عشان برلين متموتش من الجوع .. الفترة دي كانت السبب في إنشاء أكبر تحالف عسكري في تاريخ البشر اللي هو حلف شمال الأطلنطي اللي إنت عارفه بإسم NATO .. خلال الفترة دي أُعلن إنشاء ألمانيا الغربية دولة مستقلة عن أختها ألمانيا الشرقية .. الحرب الباردة كانت حرب لوي دراع .. إزاي ألوي دراعك بس من غير ما نتعارك أنا وإنت قدام الناس .. حرب بدأت بخناقة علي رؤية السوفييت والأمريكان لمستقبل ألمانيا بس وسعت منهم لحرب فرض نفوذ علي مستوي العالم كله .. زي ما قلتلك خلال الأيام الجاية حناخد مواقف من الحرب الباردة نتكلم عنها زي مثلاً أزمة الصواريخ الكوبية وحنحكي كمان إزاي الحرب الباردة إنتهت بهدم سور برلين واللي زي ما بدأت بالصدفة فهي كمان إنتهت بالصدفة .. أحيانا الحظ أو خلينا نقول تدابير ربنا بتكون أقوي من المؤامرات والتخطيط بتاع البشر.

المصادر:

مهندس ميكانيكا بحب الصحافه و الكتابه .. مؤمن بان من حق كل بني ادم انه يعرف الحقيقه ورا الخبر .. رسالتي انك تفهم حقيقه اللي بيحصل عشان لما تقرر رايك تكون فاهم انت بتقرر علي اي اساس

اترك تعليق

بريدك الالكتروني لن ينشر. يجب ملئ الخانات بعلامة *

من فضلك ادخل التعليق!

من فضلك ادخل الأسم!

من فضلك ادخل البريد الالكتروني!من فضلك ادخل بريد الكتروني صحيح!