اللي أنا عايز أحكيه النهاردة هو قصة إزاي ممكن الخوف علي السلطة يخلي ناس تخون كل المباديء و كل القيم و كل التعاليم الدينية اللي ربنا قال عليها .. الناس دي فعلياً نست إن فيه حاجة اسمها ربنا في لحظة إن السلطة بالنسبة ليها بقت أهم من حياة البني أدمين اللي المفروض إنهم بيحموهم .. قصة النهاردة عن إزاي القوات المسلحة الإيرانية وقعت بالخطأ طيارة مدنية أوكرانية رحلة رقم 737-800 و قتلت 176 راكب كانوا فيها .. المشكلة مش في الخطأ .. أي حد مُعرض إنه يغلط .. أحياناً الأخطاء بتبقي كارثية و ناس بتموت بس دي طبيعة الحياة .. إن الله عنده علم الساعة و ينزل الغيث و يعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير .. المشكلة في إنك تداري الغلط و تخبيه عشان إنت خايف حد يكشفك و خايف حد يحملك المسئولية و الأهم إنك خايف إن غلطك ده يخلي السلطة تروح منك .. زي ما قلتلك المشكلة مش في الخطأ.
الحكاية بدأت يوم الجمعة 3 يناير 2020 لما الأمريكان إغتالوا (قاسم سليماني) قائد الحرس الثوري الإيراني الله يرحمه و يسامحه علي جرايمه اللي عملها .. بعدها يوم الثلاثاء 7 يناير ردت إيران بإنها ضربت قواعد عسكرية أميريكية في العراق بصواريخ كروز كرد فعل علي إغتيال (سليماني) و كانت قيادة القوات المسلحة الإيرانية متوقعة إن بعد الضربة دي أكيد الأمريكان هم كمان حيردوا و عشان كده كانت من ضمن استعدادتهم إنهم نشروا بطاريات صواريخ مضادة للطيارات حول مطار طهران الدولي .. فعلياً قيادة القوات المسلحة الإيرانية كانت عايشة في حالة تأهب قصوي .. كان المفروض إن ده يخليهم يقفلوا و لو مؤقتاً مطار طهران الدولي زي ما طلب اللواء (أمير علي حاجي زاده) قائد سلاح الدفاع الجوي بس طلبه إترفض لإن لو ده حصل فالناس في الشارع حتحس إن الحرب مع أميركا قربت أوي و ده ممكن يخلق حالة هلع ملهاش لازمة و كمان لو حركة الطيران من المطار فضلت زي ما هي فده في حد ذاته حيخلي الأمريكان يستبعدوا ضرب المطار كرد فعل علي الصواريخ الإيرانية اللي إتضربت عليهم في العراق.
يوم الأربعاء 8 يناير قيادة الدفاع الجوي طلعت تحذير بإنها لقطت طيارات مقاتلة أميريكية أقلعت فعلاً من قواعدها في الإمارات و إن الأمريكان ضربوا صواريخ كروز من الإمارات بإتجاه إيران .. طبعاً لك أن تتخيل حالة الفوضي جوه المؤسسة العسكرية الإيرانية كانت عامله إزاي لما جالها التحذير .. وسط هوجة الإتصالات العشوائية محدش قرأ التحذير اللي وراه .. بعدها بدقايق قيادة الدفاع الجوي قالت إن تحذير صواريخ كروز اللي الأمريكان ضربوها من الإمارات طلع فشنك .. فعلياً محدش قرأ التحذير التاني .. كله تخيل إن الصواريخ جايه و قدامها دقايق و تنزل فوق دماغ الإيرانيين .. من ضمن الناس دي كانت ضابط دفاع جوي مسئول عن بطارية دفاع جوي من اللي إتنشرت حول مطار طهران الدولي .. الضابط حاول يتصل بقيادته يبلغهم إنه شايف حاجة علي الرادار بس زي ما قلتلك وسط هوجة الهلع اللي حصلت محدش كان فاضي يرد علي حد .. الضابط قرر يتصرف و ضرب صاروخين أرض- جو .. الطيارة الأوكرانية وقعت.
أول واحد جاله الخبر كان اللواء (أمير علي حاجي زاده) .. الرجل وقتها مكنش في طهران بس لما جاله الخبر راح جري يبلغ أهم 3 بني أدمين في المؤسسة العسكرية الإيرانية .. (سيد عبدالرحيم موسوي) القائد الأعلي للقوات المسلحة .. (محمد باقري) رئيس أركان حرب القوات المسلحة .. (حسين سلامي) قائد الحرس الثوري .. الأربعة إتفقوا علي حاجتين .. أول حاجة إن الخبر ميتسربش دلوقتي عشان الروح المعنوية للعساكر متتهزش .. ثاني حاجة تتشكل لجنة تحقيق سرية من الحرس الثوري و الدفاع الجوي و المخابرات .. علي أخر اليوم اللجنة دي كانت قالت أيوه إحنا اللي وقعنا الطيارة و مكنش فيه أي تشويش ولا عملية قرصنة أليكترونية لا من أميركا ولا من إسرائيل .. علي أخر اليوم كان المرشد الأعلي للثورة الإسلامية (أيه الله علي خامنئي) عرف و هو اللي طلب إن رئيس الجمهورية (حسن روحاني) محدش يقوله حاجة .. السؤال دلوقتي هو ليه؟ .. إيه المنطق اللي يخليهم يكفوا علي الخبر ماجور؟
المنطق كان إننا لو استنينا لحد ما نلاقي الصندوق الأسود بتاع الطيارة و نسمع محتوياته و نكتب تقرير نهائي فده لوحده حياخد 5 شهور و خلال الخمس شهور دول تكون الأمور هدت و الناس أساساً نسيت و لما نقولهم إن اه إحنا اللي وقعنا الطيارة فالناس حتسأل طيارة إيه هو كان فيه طيارة وقعت .. زود علي كده إن لسه ايران كانت طالعه من مظاهرات عنيفة ضد الحكومة في نوفمبر و مينفعش دلوقتي نقولهم إن إحنا عملنا المصيبة دي .. طب خد دي كمان .. دلوقتي الشارع مشحون بسبب إغتيال (سليماني) .. الناس كلها واقفة ورا الحكومة و مينفعش نقولهم لا العلاقة تبوظ أكتر ما هي بايظة .. المنطق كان إن ولاء المؤسسة العسكرية هو للجمهورية الإسلامية و بما إن مش من مصلحة الجمهورية إن الناس تعرف فالمؤسسة العسكرية معندهاش أي مشكلة إنها تخبي عن الناس الحقيقة .. يوم الخميس 9 يناير المحققين الأوكرانيين وصلوا إيران و مع وصولهم بدأت التقارير الإعلامية الغربية تقول إن فيه أدلة علي إن إيران هي اللي وقعت الطيارة .. كل ما تقرير من دول يطلع يقوم مدير إدارة الطيران المدني الإيرانية يطلع يحلف علي المصحف إن ده كدب .. شويه و المتحدث الرسمي باسم الحكومة الإيرانية يحلف علي الطلاق إن إيران بريئة براءة الذئب من دم سيدنا (يوسف) عليه السلام .. من جواه (حسن روحاني) رئيس الجمهورية و وزير خارجيته (جفد ظريف) كانوا حاسين إن فيه مصيبة حصلت بس محدش عايز يقولهم الحقيقة.
ده في الوقت اللي الشارع كان بيغلي .. شباب زي الورد مات في الطيارة .. شباب متعلم بره و كان ممكن في يوم الأيام مستقبل إيران كله يتشال علي كتافهم راحوا و الناس عايزة تعرف الحقيقة .. كل ما (روحاني) يرفع سماعة التليفون يكلم حد من المؤسسة العسكرية يتقاله إن اللواء الفلاني مش موجود .. لواءات المؤسسة العسكرية كلهم بيتهربوا منه .. يوم الجمعة 10 يناير (روحاني) لقي كبارات المؤسسة العسكرية اللي بقالهم يومين محدش عايز يرد عليه لموا بعضهم و زاروه في مكتبه قالوله الحقيقة .. الأغرب إنهم طلبوا منه هو كمان إنه يعمل زيهم و ميقولش الحقيقة للناس .. (روحاني) قالهم هو أنتوا فاكرين إن إحنا بس اللي حنحقق في سقوط الطيارة .. أوكرانيا حتبعت لجنة تحقيق عشان الطيارة بتاعتها .. كندا عشان أغلبية ركاب الطيارة من عندها هي كمان حتبعت فريق تحقيق .. عشان الطيارة من طراز بوينج و دي شركة أميريكية فالأمريكان هم كمان حيبعتوا فريق تحقيق .. تفتكروا منظرنا قدام العالم حيبقي عامل إزاي لما يكتشفوا الحقيقة .. العساكر ولا كأنهم فاهمين حاجة و أصروا علي موقفهم .. لما (روحاني) زعقلهم و هدد إنه حيقدم استقالته كان واحد من اللي حاضرين الإجتماع ده تقدر تقول من المقربين من (خامنئي) و بلغه إن (روحاني) حيستقيل .. في لحظتها .. اللي قاعدين في الإجتماع جاتلهم رسالة من (خامنئي) إن يتكتب بيان يتقال فيه للناس إن إحنا اللي وقعنا الطيارة .. البيان إتنشر يوم السبت 11 يناير.
المصدر:
مقالة بعنوان Anatomy of a Lie: How Iran covered up the downing of an airliner نشرت في جريدة The New York Times و ده لينك المقالة الأصلية:
ttps://www.nytimes.com/2020/01/26/world/middleeast/iran-plane-crash-coverup.html