الفصل الثالث: مصايب (إبن بطوطة) في الأراضي المالية:
من أهم الحاجات اللي تتعلمها إن أكتر حاجة الناس بتفتكرها هي القصص .. لورد (تيريون لانيستر) في مسلسل Game of Thrones كان عنده حق في النقطة دي .. القصص بتعيش بس البشر بتموت .. صحيح مانسا (موسي) مات سنة 1337 إلا إن قصص إزاي الرجل ده كان بيرمي دهب للشحاتين اللي في الشارع في رحلته الإسطورية لأداء مناسك الحج فضلت عايشة و يمكن القصص دي هي اللي سنة 1352 خلت واحد زي (إبن بطوطة) يعني بعد 15 سنة من وفاة ملك مالي يقرر إنه لازم يزور البلد دي .. مهم برده تبقي فاهم إن (إبن بطوطة) قرر يسافر مالي لنفس السبب اللي إنت بتقرر فيه إنك تسافر الخليج .. الفلوس .. الناس دي معاها فلوس بس الناس دي محتاجة أكيد قضاة و محتاجين أئمة مساجد و دي فرصة كويسة إنه يروح هناك و يلاقي شغل .. في الجزء ده من القصة حنسيب (إبن بطوطة) هو اللي يقولنا هو شاف إيه و تجربته في مالي كان فيها إيه؟
مانسا (موسي) لما مات ساب وراه مملكة تعتبر أكبر دولة من حيث المساحة وسط باقي دول أفريقيا اللي جنوب الصحراء الكبري .. كان سايب بلد فيها جامعة زي جامعة تمباكتو بيدرس فيها 25,000 ألف طالب و ده رقم حلو جداً بمعايير دلوقتي فمابالك بزمان .. جامعة فيها أكبر مكتبة في أفريقيا بعد مكتبة الإسكندرية .. كان سايب بلد بيتبصلها علي إنها في نفس مكانة بلد إسلامية ليها تاريخها زي الشام و مصر و المغرب و بغداد .. كل المجد ده كان حيروح في ستين داهية في أول أربع سنين من بعد وفاته لما إبنه مسك البلد .. إبن مانسا (موسي) متفهمش كان متدلع زيادة عن اللزوم ولا الفلوس لحست دماغه بس يمكن ربنا أنقذ البلد لما الواد مات وهو نايم و اللي مسك وراه عمه (سليمان) اللي تقدر تقول إنه مكنش فاتح حنفية الفلوس زي أخوه الله يرحمه.
حاول تبصلها من وجهة نظر (سليمان) .. أخويا المانسا اللي خلي إسم بلدنا علي كل لسان بعزقله كام مليار حلوين .. لو إنت فاكر إن رحلة الحج بتاعته كانت مكلفة و فشخرة علي الفاضي فصدقني إن تكاليف رحلة الحج بتاعته دي ولا حاجة قصاد تكاليف حملاته العسكرية اللي عملها و كتير منها محققش حاجة من الأهداف اللي إتحطت ليها .. إذا كان مانسا (موسي) كان هدفه إنه يخلي أمة محمد كلها تتكلم عن مالي فتقدر تقول إن هدف (سليمان) كان بمنتهي البساطة إنه مجرد يلم الدنيا و يخلي المركب ماشية و دي المرحلة اللي (إبن بطوطة) حيبدأ يظهر في الصورة.
البداية كانت إن (إبن بطوطة) سافر لقرية علي أقصي حدود المغرب مع الصحراء الكبري .. دي واحدة من قري تانية تعتبر المحطة الأولي في رحلة السفر وسط الصحراء الكبري لمالي .. القري الحدودية دي بيبدأ من عندها التجار رحلتهم عشان لما يوصلوا مالي إن شاء الله يبادلوا بضايعهم دي بالذهب بتاع مالي .. مهم برده تبقي فاهم اللوجيستيكس بتاعة التجارة مع مالي .. مالي معاها ذهب و دي الحاجة الوحيدة اللي هي بتصدرها .. قصاد ده مالي بتستورد حاجات كتير بس يمكن أهم سلعتين هي بتسوردهم هم الملح و الودع .. أيوه عارف الودع اللي لو رحت شاطيء بحر بتلاقي واحدة ست تقولك تعالي أقرالك الودع .. مهم برده تفهم إشمعني السلعتين دول بالذات .. الملح له القدرة علي تخزين المياه و هم محتاجين المياه دي عشان العبيد اللي بيشتغلوا في مناجم الذهب و لإن مالي مفيش حوليها غير الغابات الإستوائية فهم عندهم مياه بس معندهمش الملح اللي من غيره العبيد دي حتموت و بالتالي إقتصادهم حيقع .. الودع كان العملة الرسمية بتاعة مالي و زي ما شفنا في حكاية تاريخ الفلوس الحكومة لازم يبقي عندهم إحتياطي محترم من العملة الرسمية بتاعتها.
لو أنا تاجر مثلاً جاي من تونس فأنا بوصل لقرية من القري الحدودية دي و هناك بتكلم مع حد من البربر عشان أأجره يبقي هو جوجل مابس بتاعي .. البربر كانوا حافظين حتة حتة من الصحراء الكبري .. (إبن بطوطة) إتفق مع شوية تجار إنه يركب معاهم و فعلاً القافلة بدأت تتحرك .. بعد رحلة 25 يوم بيوصلوا يمكن لأهم حتة في رحلتهم و هي القري اللي في قلب الصحراء الكبري اللي قايمة حول إن يبقي فيها شوية عبيد شغالين في منجم ملح .. فإنت التاجر بتاع تونس بيسافر مالي و معاه البضاعة بتاعته اللي عايز يبيعها هناك بس أهم مرحلة إنه يوصل لحد القري اللي في قلب الصحراء الكبري عشان يشتري منهم الملح اللي يعتبر أهم سلعة بتطلبها مالي .. (إبن بطوطة) شاف بعنيه إزاي التجار بيدفعوا كاش بالذهب للناس اللي بياخدوا منها الملح .. بعد كده الرحلة بتستمر 800 كيلومتر كمان من الصحراء لحد ما توصل لأخر واحة في الطريق إلي مالي .. واخد بالك من نقطة .. إنت بتتكلم عن رحلة إستمرت 50 يوم و لسه قدامك 25 يوم كمان عشان توصل لمالي .. رحلة 75 يوم .. طبيعي إن مفيش قافلة حتشيل معاها حمولة مياه شرب تكفي الأيام دي كلها لحد مدينة ولاتة اللي هي دلوقتي في موريتانيا بس زمان كانت عتبة مملكة مالي .. اللي بيحصل إنك لما توصل الواحة دي بتتفاوض مع حد يكون مجهزلك شحنة مياه شرب عشان يقابلك في نص السكة بين الواحة و بين مدينة ولاتة .. لو حصل و ملقتش حد تتفق معاه أو لو لقيت حد بس الحد ده مات قبل ما يبلغ حد في ولاتة إنه يطلع يقابلك في نص السكة فتقدر تقول علي القافلة كلها الله يرحمهم .. إنت متخيل المخاطر؟
بعد رحلة إستمرت شهرين (إبن بطوطة) ربنا كرمه و دخل مدينة ولاتة و بداية من هناك و إنت طالع و (إبن بطوطة) بياخد فوق دماغه صدمات ورا بعضها عن قد إيه مالي إسلامها يختلف شكلاً و موضوعاً عن الإسلام اللي هو متعود عليه بصفته مغربي أولاً و أخيراً .. جاهز تتصدم معاه؟
- مبدأياً عشان مالي تجربتها مع الإسلام إختلفت عن تجربة مصر مثلاً لإن الإسلام دخل مصر كجزء من الفتح العسكري فالناس كلها في مصر سواء أغنياء أو فقراء شافوا الإسلام و عرفوه سوا مع بعض .. في مالي الدنيا مش كده .. الإسلام دخل مالي عن طريق التجارة و بالتالي طبقة التجار و الأغنياء اللي هم طبقة الناس اللي معاها فلوس بس هي اللي دخلته أو بمعني أخر الناس اللي مصلحتها إنهم يدخلوا الإسلام عشان علاقتهم تبقي كويسة بالمغرب العربي .. باقي المجتمع من عمال و فلاحين و عبيد ولا يعرفوا عنه حاجة و بالتالي فضلوا علي ديانتهم الأفريقية القديمة.
- حتي المسلمين في مالي لما دخلوا الإسلام و لقوا إن كتير من تعاليمه متعارضة مع طبيعة الحياة اليومية في المجتمع بتاع مالي فالناس دي تجاهلت و عملت Ignore للتعاليم الإسلامية اللي مش علي هواهم.
- من ضمن التعاليم الإسلامية اللي بمنتهي البساطة إتحطت علي الرف كانت الحجاب .. من ضمنها برده إن في مرة من المرات (إبن بطوطة) قال لإمام مسجد في مالي إنه شاف مراته (يعني زوجة الإمام) بتتكلم في الشارع مع رجل تاني فكان رد الإمام اللي خلي ضغط (إبن بطوطة) يضرب في السما إن طبيعي إن أي ست يبقي ليها صحابها من الرجاله و إن الصداقة بين الرجل و الست في المجتمع المالي مش بتتشاف علي إنها حاجة وحشة.
- صحيح الملك أو المانسا مسلم بس لما (إبن بطوطة) راح يزوره في قصره شاف بنات الملك و هم مش لابسين حاجة تداري نصهم الفوقاني اللي هو كانوا topless يعني و دي حاجة منطقي إنها تضايق (إبن بطوطة).
حاول برده تبص للدنيا من وجهة نظر (إبن بطوطة) .. هو شايف مجتمع مش بيتكلم عربي لكنه مسلم .. مجتمع لما الأذان بيؤذن الناس كلها بتروح تصلي الصلوات الخمسة في معادها .. مجتمع شايفه و هو كل ما يروح الجامع يصلي الناس بتكون علي سنجة عشرة .. مجتمع مفيهوش طفل مش حافظ القرأن الكريم .. مجتمع مفيهوش سرقة .. مجتمع الأمن و الأمان فيه علي أعلي مستوي .. القانون بتاعهم متقدم لدرجة يمكن هي هي نفس اللي موجودة في مدينة زي بغداد اللي كانت وقتها تعتبر أكتر مدينة متحضرة في العالم .. القانون في مالي إن لو تاجر أجنبي مات فالبضاعة اللي معاه و فلوسه بتتحط تحت رعاية الدولة لحد ما يجي حد من أهل الميت يستلم فلوسه .. دي درجة تحضر (إبن بطوطة) عشان متعود عليها في بلده فهم كان مستحرم إن بلد زي مالي فيها الحاجات الحلوة الكتير دي بس مطنشة حاجات تانية من وجهة نظرة من أساسيات الدين الإسلامي.
طبعاً فيه إختلافات تانية صدمت (إبن بطوطة) ملهاش علاقة بالدين قد ما ليها علاقة بالسياسة .. يعني مثلاً .. كل ما يروح يقابل حاكم مدينة في مالي يلاقي جنبه واحد كل ما (إبن بطوطة) يسأله سؤال يلاقي الحاكم بيوشوش اللي جنبه بالإجابة و اللي واقف جنب الحاكم يرد بالنيابة عن الحاكم .. إشمعني؟ .. هو سلو أهل مالي كده .. بما إن الحاكم هو ممثل الملك و بما إن (إبن بطوطة) رجل غريب فمينفعش الحاكم يكلم الغريب مباشرة .. بلاش دي .. في بلاد الإسلام لو الحاكم جاله ضيف و الضيف ده كان عالم من العلماء فهدية العالم دايماً بتكون فلوس إكراماً لعلمه .. طبعاً (إبن بطوطة) تخيل إنه بما إنه رايح لبلد الدهب كله إنه كل ما حيقول لحاكم إنه عالم حيلاقي نفسه عايم في بحر الدهب .. ده محصلش .. هناك كل ما يقول لحد إنه عالم بيلاقي جابله طبق فيه زبادي و عسل .. إشمعني؟ .. هو سلو بلد أهل مالي كده .. طب إيه رأيك إن حتي لما (إبن بطوطة) طلب يزور مناجم الذهب طلبه إترفض من (سليمان) مانسا مالي وقت زيارته لإن ده أهم سلاح بتمتلكه البلد و مينفعش الأجانب يحطوا عينهم عليه .. مالي في الوقت ده كانت بتنتج تلتين إنتاج العالم من الذهب و طبيعي إن ناس كتير تفكر ليه لا تحط إيدها علي الكنز ده و بناء عليه إن يفضل مكان مناجم الدهب سر كان أساسي لحماية الأمن القومي للبلد.
الخلاصة اللي عايز أوصلهالك إن اللي إكتشفه (إبن بطوطة) إن بسبب موقع مالي الجغرافي و إن الإسلام مدخلهاش بالطريقة التقليدية فتجربة مالي مع الإسلام إنها خدت منه اللي عاجبها و سابت الباقي بس دي مكنتش مشكلة مالي الوحيدة .. مالي زيها زي الدولة الأموية و العباسية و حتي الدولة الرومانية و كمان يا سيدي الإمبراطورية البريطانية من بعدهم كلهم .. فكرة إن عندك دولة بتسيطر علي دول تانية أضعف منها معناه بمنتهي البساطة إن مجد الإمبراطورية قايم علي إستنفاذ ثروات الدول اللي هي بتسيطر عليها .. في الأول الفلوس بتبقي حلوة و اللي بيحكم الإمبراطورية بيكونوا ناس كلمتهم مسموعة في الدنيا بتبقي رايقة .. بمجرد ما يجي للحكم ناس مش قد المقام بتبدأ الولايات و خصوصاً الولايات اللي علي الأطراف و حدود الإمبراطورية تسأل نفسها لحد إمتي؟ .. لحد إمتي ثرواتي حتفضل تروح للإمبراطورية اللي مسيطرة علينا .. كل ما كانت الولايات البعيدة عن العاصمة بتجيب فلوس أكتر كل ما إحساس الغضب عندها بيكبر .. إيه اللي يخليني أبعت فلوس شهرية للحاكم؟ .. هو يعني المانسا اللي قاعد في العاصمة نياني ده بيعمل إيه؟ .. قعد إنت حاكم ضعيف علي الكرسي و كده بقي عندك الخلطة السحرية للحرب الأهلية.
تبقي النقطة اللي قسمت ظهر إمبراطورية مالي و اللي (إبن بطوطة) إتكلم عنها كانت العبودية و مهم هنا تفهم نقطة إن كلمة عبودية لما تيجي تتكلم عن دول أفريقيا في الوقت ده مختلفة كتير عن معني كلمة عبودية أو Slavery اللي إنت بتشوفها في الأفلام الأمريكاني عن معاناة الأمريكان الأفارقة زي مثلاً فيلم 12 Years a Slave .. الدنيا مش كده أوي هنا .. هنا في مالي إنت فيه عندك أشكال كتير للعبودية بس عشان تفهمها تخيل التجنيد الإجباري في مصر .. إنت بتخش الجيش سنة عشان تبقي عسكري عشان يوقفوك علي كارتة طريق مصر إسكندرية الصحراوي .. حضرتك كعسكري بتاخدلك في الشهر مثلا 1,500 جنيه بس فعلياً إنت بتدخل للبلد فلوس كتير .. لنفترض إن ورديتك 10 ساعات بيعدي عليك فيهم 10 عربيات و كل عربية بتدفع 10 جنية فاللي إنت بتاخده كمرتب في شهر بتدخله إنت في البلد في يوم .. هل ده أجر عادل؟ .. بالتأكيد لا وهي دي فكرة العبودية في أفريقيا .. إنت شغال خدام بمرتب ملاليم و شغلك ده بيدخل للبلد ملايين .. لكن .. مش معني إن باباك و مامتك كانوا عبيد إن حضرتك حتطلع عبد زيهم .. مش معني إنك إتولدت عبد فإنت حتفضل عبد طول حياتك .. في مالي إنت لو إتولدت عبد بس إشتغلت علي نفسك و إتعلمت ممكن تشتري حريتك و تشتغل موظف في الحكومة و حصلت قبل كده إن واحد من المانسا اللي حكموا مالي بعد (سونجادا) كان من العبيد .. هي الفكرة كلها في النسبة و التناسب.
مالي دولة كبيرة و عشان تجيب فلوس كتير لازم تشغل ناس كتير و متدفعلهمش مرتب كبير .. فكرة العسكري هنا في مصر .. و بناء عليه إنت محتاج يبقي عندك حنفية عبيد مش بتتقفل و ده كان دور الحملات العسكرية اللي كانت بتعملها مملكة مالي .. إقتصاد مالي مكنش قايم علي الدهب قد ما كان قايم علي العبيد .. العبيد هم اللي بيشتغلوا في المناجم بتاعة الدهب و الملح .. هم اللي بيشكلوا المشاة بتوع الجيش .. هم اللي ستاتهم بتشتغل في الاراضي الزراعية .. إذا كان الدهب هو أكتر حاجة مالي كانت بتصدرها فتاني أكتر حاجة كانت بتتصدر من مالي هي العبيد و (إبن بطوطة) خد باله من النقطة دي و قال إنه دي نقطة الضعف اللي ممكن توقع البلد علي جدور رقبتها .. اللي كان بيتكلم عنه و بيحذر منه (إبن بطوطة) هي حاجة إنت عارفها كويس .. العدالة الإجتماعية .. فاكرها إنت الكلمة دي اللي كنا بنرددها أيام ما كان عندنا حلم إننا نعيش في بلد محترمة .. الفكرة إن من غير عدالة إجتماعية و مع وجود الرغبة عند الولايات اللي معاها فلوس إنها تستقل و بمجرد ما يوصل للحكم شخص مش مؤهل إنه يلم الدنيا .. عينك ما تشوف إلا النور و ده اللي حصل سنة 1360 لما المانسا (سليمان) توفاه الله.
البداية إن إبن (سليمان) جه مسك الحكم بس مقعدتش كتير و مات .. فاكر مانسا (موسي)؟ .. مش قلتلك إن كان له إبن حكم 4 سنين و بعد كده مات و جه وراه عمه (سليمان)؟ .. أهو عياله الثلاثة اللي هم يبقوا أحفاد مانسا (موسي) بهدلوا بعض و بهدلوا البلد معاهم في حرب أهلية .. دي كانت بداية النهاية .. الحرب الأهلية خربت ميزانية البلد و ده خلي البلد تفك من بعضها .. سنة 1370 أول حتة من البلد وقعت كانت ولاية جاو اللي أعلنت إستقلالها و خلي بالك من الولاية دي لإننا حنروحلها كمان شوية .. خلال خمسين سنة كانت أغلب الولايات إستقلت عن مالي .. كل ده كوم .. صدقني يعني كل ده كوم .. و اللي حصل بعد كده لما أهل مالي صحيوا الصبح لقوا سفن عليها علم البرتغال جت عندهم ده كوم تاني.
الفصل الرابع .. مفيش حاجة عدلة أبدأ بتيجي من الخواجات:
سنة 1465 طلع كابوس إسمه (سني علي) .. ده يبقي حاكم ولاية جاو اللي قلتلك إنها خدت إستقلالها من مالي سنة 1370 .. الرجل ده من عيله إسمها سونغاي و عشان كده ممكن لو عملت سيرش عنه حتلاقيهم كاتبين إنه حاكم مملكة سونغاي فخليك عارف إن سونغاي ده إسم عيلته .. الرجل ده كان كابوس لسبب و هو إنه عرف كويس أوي إزاي يستغل الدين كسلاح .. هو قصاد الناس بيقول علي نفسه مسلم بس هو كان بيمارس الديانات الأفريقية القديمة و يقال إنه كان ساحر بس كان علي الله حكايته يعني في كار السحر ده .. هو شاف المجتمع بتاع مالي و لقي إن الطبقة الحاكمة و الغنية و اللي معاها فلوس هي اللي مسلمة بس كعدد الطبقة دي نسبتها صغيرة من عدد السكان .. أغلب أهل مالي من الناس اللي لسه بتعبد الديانات الأفريقية و برجع أفكرك إن ده اللي إكتشفه (إبن بطوطة) .. (سني علي) كل اللي كان محتاجه إنه يحط قدام أهل مالي الغير مسلمين بعبع يخوفهم بيه و البعبع ده كان الإسلام و المسلمين .. هو شاورلهم علي عاصمة مالي اللي هي نياني و اللي قاعد فيها المانسا و قالهم شايفين الرجل ده .. هو ده السبب في كل مصايبكوا و مشاكلكوا .. مش أنتوا بيتقالكوا إن القانون بيقول إن مينفعش مسلم يتباع كعبد .. مش المسلمين دول هم اللي سارقين خير البلد .. طبعاً هم يسمعوا الكلام ده و يهيصوا.
(سني علي) شاف بعنيه إزاي الدنيا مليانة فرص بس للي عنده الشجاعة إنه يستغلها .. قبيلة الطوارق اللي كان زمان أهل مالي بيبصولهم علي إنهم من البربر و أخرهم يعيشوا في الصحراء قدروا يسيطروا علي مدينة ولاتة و تمباكتو .. المدينتين إتداس علي وشهم لما (سني علي) سيطر عليهم .. طرد كل المسلمين منها و ده كان مصير أي مدينة تقع تحت إيده .. لما مات (سني علي) جه وراه واحد إسمه (أسكيا محمد) بس هو كمل علي نفس الخط بتاع إنه ياخد حتت أكتر من التورتة بتاعة مملكة مالي من غير ما يطرد المسلمين بره المدن اللي يخشها .. (أسكيا محمد) حاول إنه يظهر دولة سونغاي إنها هي الوريث الشرعي لمملكة مالي .. سنة 1545 قوات (أسكيا محمد) دخلت نياني عاصمة مملكة مالي .. صحيح هو معرفش يسيطر علي المدينة كتير و إنسحب بس الفكرة إن الرسالة وصلت .. الأرض اللي كانت زمان بيتقال عليها مملكة مالي بقت مقسومة نصين و النص الأكبر بقي تحت إيد دولة سونغاي .. الفكرة إن إذا كانت مالي لسه تحت إيدها مناجم الدهب بس هم مش عارفين يصدروا الدهب عشان دولة سونغاي قاطعة عنهم مياه و نور .. هنا يجي دور البرتغال.
معلش حرجعك لورا شوية لمرحلة الريكونكويستا أو سقوط الأندلس .. في الفترة دي البرتغاليين إكتشفوا حاجة غريبة جداً إن فيه عبيد من أقريقيا عايشين في إسبانيا فطبيعي يسألوهم أنتوا إيه اللي جابكوا هنا .. دي كانت بداية إن البرتغاليين يعرفوا إن فيه حاجة إسمها مالي و فيه حاجة إسمها الصحراء الكبري و فيه بيزنس زي الفل إسمه تجارة الدهب و العبيد .. سنة 1450 البرتغال سيطرت علي جزر الكناري و منها بقوا يروحوا لساحل مالي و سنة 1456 حصلت أول مفاوضات تجارية بين مالي و البرتغال و تحت شعار محدش بيقول للرزق لا الفلوس جريت تاني في إيد الماليين .. في الأول هم كانوا فاكرين البرتغاليين جايين عشان الدهب بس محدش قالهم إن في الفترة دي البرتغال و إسبانيا كانوا إكتشفوا القارة الأميريكية و بقوا يسرقوا دهب السكان الأصليين ففعلياً السوق الأوروبي مكنش عايز دهب .. هم كانوا عايزين حاجة تانية .. عبيد.
شوية و مالي لقت إن عمال يجيلها سفن برتغالية و إسبانية و فرنساوية و هولندية و إنجليزية و دانمركية و سويدية مش عايزين حاجة غير إنهم يشتروا عبيد .. سنة 1500 كان 10% من تعداد سكان مدينة لشبونة اللي هي عاصمة البرتغال كانوا عبيد أفارقة .. المستعمرات البرتغالية في أميركا الجنوبية خصوصاً البرازيل و جامايكا عايزة ناس تروح تشتغل في حقول قصب السكر اللي هناك فقالك جميل نروح نشتري عبيد من مالي و نشحنهم علي هناك .. دي حضرتك كانت بداية أكبر كارثة إنسانية في تاريخ البشر و يمكن أسوأ في رأيي من الهولوكوست حتي و هي ما يسمي تجارة العبيد عبر المحيط الأطلنطي أو Transatlantic Slave Trade .. خلال 350 سنة تم إجبار 12 مليون بني أدم إنهم يسيبوا أفريقيا بلدهم و يروحوا يموتوا في دول تانية ميعرفوش عنها حاجة في أوروبا و أميركا .. طبعاً فيه فروقات كبيرة بين بيزنس العبيد اللي كان متبع في مالي نفسها و بين الظروف اللي العبيد الأفارقة عاشوها في أوروبا و أميركا و ده موضوع يمكن نبقي نتكلم عنه وقت تاني عشان بس متحسش إني بحمل مالي مسئولية تجارة العبيد دي.
(إبن بطوطة) توقع ده و يمكن مكانش ده قصده بس لما قال إن نقطة ضعف مالي هي إعتمادها علي العبيد .. شوية بشوية و مالي مبقاش عندها حد يشتغل في الحقول ولا المناجم ولا يخدم في الجيش .. ده خلي الدنيا سالكة للقوات المغربية سنة 1591 إنها تخش مالي .. فاكر دولة سونغاي اللي كانت كابوس لمالي؟ مخادوش غلوة في إيد القوات المغربية .. جاو و تمباكتو وقعت في إيد المغاربة اللي كانوا حياخدوا نياني كمان بس إتهزموا علي إيد قوات المانسا (محمود كايتا الرابع) اللي لما مات سنة 1610 عياله الثلاثة دخلوا في حرب أهلية ضد بعد إنتهت بتدمير نياني سنة 1670 و نهاية مملكة مالي.
قصة مملكة مالي تعلمك حاجات كتير الحقيقة من ضمنها الإسطوانة المشروخة بتاعة الفلوس مش كل حاجة .. مالي كان عندها فلوس بس ده ممنعش إن دولتهم يبقي أخرها 400 سنة و كانت ماتت .. قصة مالي تعلمك إن اللي بيخلي الدول تعيش مش الفلوس .. مش الجيوش .. إنما العدالة الإجتماعية .. الكلمة اللي كانت واحدة من مباديء ثورة يناير حتشتكف إنها كانت المصل اللي كان ممكن ينقذ أي دولة وقعت في تاريخ البني أدمين بس هي المشكلة دايماً إن الحكام مبيقروش تاريخ .. أصلهم لو كانوا بيقروه مكانوش مسكوا في الكرسي بإيديهم و سنانهم.
المصادر:
- فيديو بعنوان The Empire of Mali: An Empire of Trade & Faith-Extra History #2 نشر علي YouTube و ده لينك الفيديو:
https://youtube.com/watch?v=YPytwp5ll9g&feature=share&fbclid=IwAR1pWXDGnBxuZUCdrpsHhGjzCS1Q3zi7KajzAPN7N3641valpgxVOZhgYH0 - فيديو بعنوان The Empire of Mali: The Cracks Begin to Show-Extra History #4 نشر علي YouTube و ده لينك الفيديو:
https://www.youtube.com/watch?v=lkTF0TGBDNc - فيديو بعنوان The Empire of Mali: The Final Bloody Act-Extra History #5 نشر علي YouTube و ده لينك الفيديو:
https://www.youtube.com/watch?v=Mi79VdOCXGc