في الفترة من 1990 اللي هي نهاية الحرب الباردة و إنهيار الإتحاد السوفيتي لحد سنة 2010 اللي هو قبل الربيع العربي بسنة يعني بتتكلم عن 20 سنة تلاقي إن السياسة الخارجية السورية كانت عامله زي الCareer بتاعة (مصطفي بكري) بالضبط .. لا ليهم مبدأ ولا ثابتين علي رأي .. الكلام ده شامل (بشار الأسد) و أبوه (حافظ الأسد) الله يرحمه .. فكر فيها كده .. في ال20 سنة دول السياسة الخارجية السورية كانت كل حاجة و عكسها زي الست (شيرين عبد الوهاب) ما قالت .. موقفهم الرسمي إنهم في حالة حرب مع إسرائيل بس معندهمش أي مشكلة إنهم يتفاوضوا مع الإسرائيليين و يقعدوا معاهم .. تلاقي السوريين عمالين يقولوا إنهم القلب النابض للقومية العربية و في نفس الوقت تلاقيهم منضمين للتحالف الدولي اللي إتعمل ضد (صدام حسين) الله يرحمه عشان يطردوا العراقيين من الكويت سنة 1991 في حرب الخليج الثانية .. أحلي حاجة بقي إن السوريين كانوا دايماً يشتموا الأمريكان و يقولوا عليهم الراعي الرسمي للإرهاب في العالم بس المخابرات العامة السورية معندهاش أي مشكلة إنها تتعاون مع المخابرات الأميريكية في الحرب ضد تنظيم القاعدة.
الكلام ده إتغير خالص بمجرد ما الثورة السورية قامت و اللي تحولت لحرب أهلية .. سياسة الرقص علي السلالم إترمت في الزبالة و حل محلها سياسة تانية هي إننا خدامين الإيرانيين .. و الحقيقة إن أيا كان موقفك الشخصي من (بشار الأسد) بس انت متقدرش تلومه .. السبب الأساسي إن الرجل ده لحد دلوقتي هو لسه في السلطة هو تحالفه مع إيران و مع حزب الله اللي هو كمان مدعوم بقوه من إيران .. حتقولي الروس ليهم دور بس دور الإيرانيين مهم أوي أوي .. لو بكره الصبح الروس خرجوا من سوريا مش حتفرق كتير مع (بشار الأسد) بس لو بكره الصبح الإيرانيين مشوا و سابوه فتقدر تقول علي حكمه يا رحمن يا رحيم .. من الحاجات اللي ممكن تزعلك و تجيبلك إكتئاب إنك تعرف إن فعلياً خلاص الحرب الأهلية السورية في سكتها إنها تنتهي بإنتصار (بشار الأسد) .. بس صدقني لو قلتلك إننا لو جبنا ورقة و قلم و قعدنا نحسب مين أكثر حد كسبان فحتلاقي إن الإيرانيين هم اللي خدوا نصيب الأسد من المكاسب.
انا بس في الأول عايز أخدك في جولة سريعة أوي في تاريخ العلاقات السورية الإيرانية عشان تعرف هم الإتنين وصلوا للمرحلة اللي إحنا فيها دلوقتي دي إزاي؟
- بداية العلاقات السورية الإيرانية كانت سنة 1979 و دي السنة اللي حصلت فيها الثورة الإسلامية في إيران و إتوقعت فيها معاهدة كامب ديفيد بين مصر و إسرائيل .. المعاهدة دي كانت رصاصة الرحمة في قلب التحالف المصري السوري و من بعدها (حافظ الأسد) مبقاش بينه و بين (أنور السادات) الله يرحمه أي عمار أو مودة .. لما (حافظ الأسد) لقي نفسه وحيد مش لاقي حد يقف جنبه الإيرانيين جروا عليه و عرضوا عليه إنهم يساعدوه و يقفوا معاه .. الإيرانيين كانوا واقفين في ظهر حزب الله و لإن سوريا بقت شريكة إيران فكده السوريين بقي ليهم وجود قوي في لبنان و كمان بقي ليهم صاحب جامد واقف في ظهرهم وقت الأزمات و الأهم إن إيران خلت (حافظ الأسد) يفضل في الحكم و دي كانت أهم حاجة عنده.
- العلاقات بين سوريا و إيران مكنتش عمرها مريحة للطرفين .. العلاقات بينهم عامله زي العلاقة بينك و بين مراة أبوك الجديدة مثلاً اللي طلق مامتك عشان يتجوزها .. فكر فيها شوية .. سوريا دولة بيعيش فيها أغلبية سنية بيحكمها حزب البعث العلماني من الستينات و لحد دلوقتي .. إيران دولة بيعيش فيها أغلبية سكانية شيعية و بداية من سنة 1979 لما حصلت الثورة الإسلاميه فإيران بقت جمهورية إسلامية .. علي الورق إيران و سوريا دونت ميكس خالص .. دي دولة سنية بيحكمها عسكر علمانيين و دي دولة شيعية بيحكمها شيوخ ففعلياً انت المفروض تسأل نفسك إيه لم الشامي علي المغربي؟
- زمان و زمان ده اللي هو لحد ما الحرب الأهلية السورية قامت السوريين و الإيرانيين كانوا شايفين العلاقة بينهم بشكل مختلف خالص عن بعض .. يعني مثلاً .. (بشار الأسد) طول عمره كان شايف إن علاقته بإيران دي كارت ممكن يحرقه في أي لحظة .. هو مكنش عنده أي مشكلة إنه يقطع علاقته خالص بإيران في مقابل إن أميركا تتدخل عشان تبقي هي الوسيط بينه و بين إسرائيل بحيث إسرائيل ترجعله مرتفعات الجولان اللي إسرائيل إحتلتها بعد نكسة 5 يونيو 1967 .. (بشار الأسد) مكنش عنده أي مشكلة إنه يقطع علاقته مع إيران خالص كعربون صداقة لأميركا .. إذا كان (بشار الأسد) قعد مع الأمريكان و الإسرائيليين عشان يتفقوا حيعملوا إيه في العراق بعد ما أطيح بحكم (صدام حسين) بس للأسف محدش من الأمريكان ولا الإسرائيليين جه عرض عليه غصن الزيتون و قالوله خد مرتفعات الجولان في مقابل إنك تبيع إيران.
بمجرد ما الحرب الأهلية السورية قامت كل ده إتغير .. لما الدنيا بدأت تضيق علي (بشار الأسد) و حس إن مبقاش فيه حد واقف جنبه و بقي شايف الثوار السوريين و هم بياخدوا مكاسب علي الأرض و بيزحفوا ناحية دمشق ملقاش حد جري عشان يساعده إلا الإيرانيين .. 6 سنين و الإيرانيين واقفين في ظهره و خلاص الحرب قربت تخلص بإنتصاره علي الثوار و حيفضل (بشار الأسد) لأبد الدهر مديون للإيرانيين بحياته .. أحب أقولكم إن إيران بقت فعلياً بتملك سوريا .. إيران بقت بتتحكم في كل حاجة في سوريا .. إيران بالنسبة لسوريا بقت زي القوات المسلحة بالنسبة للنظام في مصر .. خليني أديلك مثال بسيط عشان تكون مستوعب:
لنفترض إن القوات النظامية السورية بتحضر لعملية عسكرية لإستعادة مدينة زي إدلب .. دلوقتي شركات المقاولات اللي حتبدأ تشتغل عشان تسفلت الطريق عشان العملية العسكرية دي تبدأ بتكون شركات إيرانية واخدة فلوسها و تعليماتها من إيران .. القوات اللي حتشارك في العملية أغلبها إيرانية و لو سوريين فسلاحهم و فلوسهم و أكلهم و شربهم جاي من إيران .. مفيش حاجة بتحصل في سوريا إلا لازم تاخد موافقة إيران و المصيبة إن (بشار الأسد) عارف كده كويس بس ميقدرش يعترض ولا يفتح بقه لإن الناس اللي حوليه كلهم بقوا عرايس في إيد إيران .. فحتي لو (بشار الأسد) حب يسترجل علي الإيرانيين و يصرخ في وشهم أوعوا تنسوا مين اللي بيحكم سوريا أو حاول يقلد المرحوم (خالد صالح) و يقولهم انا بابا يلا فهو عارف إن ممكن أوي حارسه الشخصي يكون بياخد مرتب من إيران و بإشارة منهم حيرفع مسدسه و يقتله و هو واقف.
المشكلة الأكبر اللي (بشار الأسد) وقع فيها غير إنه ميقدرش يقول لا لإيران هي إن ولاءه لإيران أو خلينا نقول لإنه بقي مديون لإيران بحياته فده مخليه فقد المرونة اللي كانت السياسة الخارجية السورية بتتمتع بيها قبل الثورة خصوصاً إن بما إن الحرب الأهلية خلاص قربت تخلص .. حاول تفهم إن مشكلة (بشار الأسد) دلوقتي إن بمجرد ما الحرب الأهلية تخلص مش حيبقي فيه دولة في العالم يفرق معاها أو حتهتم باللي بيحصل في سوريا إلا إيران .. (بشار الأسد) بقي شبه متؤكد إن بمجرد ما الحرب الأهلية تخلص فسوريا حتعتبر ولاية إيرانية .. كلمة (بشار الأسد) مش حيبقي ليها أي قيمة .. اللي عاوزه الإيرانيين حيكون .. هو حيفضل في منصبه كرئيس مجرد كرم أخلاق من الإيرانيين لكن لو هم عايزين ممكن يشيلوه في أي لحظة و يعدموه ويرموا جثته في أقرب صندوق زبالة و ساعتها ولا بني أدم أو مخلوق علي وجه الأرض حيفرق معاه أو حيقول للإيرانيين أنتوا بتعملوا إيه ده بالعكس فيه ناس حتفرح فيه و تشمت في أهله.
اللي فعلاً حيبقي صداع في رأس (بشار الأسد) و مش حيخليه يعرف ينام بليل مش بس إيران إنما إسرائيل .. إسرائيل شايفه اللي بيحصل و حاطه إيدها علي قلبها .. يمكن انت متعرفش بس إسرائيل كانت في الأول بتتفرج علي اللي بيحصل في سوريا .. شوية بدأت ترد لو قواتها إتعرضت لهجوم .. دلوقتي إسرائيل بتدعم جماعات ثورية مسلحة منها جماعات جهادية .. أيوه زي ما قريت .. فيه جماعات جهادية بتحارب ضد (بشار الأسد) في سوريا رافعة أعلام مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله و بتاخد دعم مباشر من إسرائيل .. كل ده لإن إسرائيل مش عايزه يجي اليوم اللي لما عسكري إسرائيلي واقف علي مرتفعات الجولان يبص علي الجانب السوري ميشوفش عسكري أو ضابط سوري إنما يشوف مقاتل من مقاتلي حزب الله أو المليشيات الشيعية الإيرانية .. الإسرائيليين عارفين إنهم ممكن يتكلموا مع (بشار الأسد) بس مستحيل يتكلموا مع حزب الله أو إيران.
إذا كنت بتسأل نفسك طب الأمريكان فين من كل ده؟ فالإجابة علي سؤالك إن الأمريكان حرفياً في اللالاند .. يا عيني الأمريكان متخيلين إن روسيا اللي بتتحكم في كل حاجة في سوريا و إن كلمتها مسموعة عند الكل .. اللي الأمريكان لحد دلوقتي مش قادرين يفهموه إن أقصي طموح الروس إنهم يحافظوا علي وجودهم العسكري في قاعدة طرطوس البحرية .. غير كده الروس بيقولوا لنفسهم تولع سوريا باللي فيها .. لو الأمريكان قرروا إنهم عشان يهزموا داعش في سوريا فهم حيسيبوا الروس يخلصوا علي داعش عشان الحرب الأهلية تخلص فده معناه إن الإيرانيين هم اللي كسبوا الحرب خلاص لإن روسيا مش في دماغها أصلاً إيران عايزه تعمل إيه في سوريا.
فكر في اللي ممكن يحصل علي أخر السنة .. انت قريب أوي حتسمع في الأخبار إن خلاص المعارضة السورية إتهزمت و (بشار الأسد) إنتصر .. بس الحقيقة إن مش (بشار الأسد) اللي إنتصر إنما إيران اللي إنتصرت .. ساعتها إسرائيل حتبص علي سوريا و حتلاقي إنها بتتعامل فعلياً مع إيران و لو ده حصل فتوقع إن ممكن جنرالات إسرائيل تخرب معاهم و يعملوا زي اللي حصل في يونيو 1967 .. لو مش فاهمني فأحب أقولك إنك إحتمال أوي علي أخر السنة تشوف إن فيه حرب قامت بين سوريا و إسرائيل أو خلينا نكون صرحاء أكثر مع بعض فهي حرب بين إسرائيل و إيران والحرب دي بسهولة أوي ممكن توسع بره حدود سوريا.
إيه اللي ممكن يتعمل عشان نتفادي وضع زي ده؟ صدقني لو قلتلك إني مش شايف حد في الإدارة الأميريكية دلوقتي يقدر يعمل أي حاجة .. فإحنا راكبين قطر من غير فرامل و حيخبط في المحطة اللي قدامه و حتبقي كارثة حقيقية و مفيش أي حد يقدر يعمل أي حاجة لتفادي المصيبة اللي جايه.
المصدر:
مقالة بعنوان Iran is taking over Syria. Can anyone stop it? نشرت في جريدة The New York Times الأميريكية و ده لينك المقالة الأصلية:
http://ww.nytimes.com/2017/08/29/opinion/iran-syria.html?mcubz=1