موضوعنا النهاردة اللي حنتكلم عنه هو الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون Emmanuel Macron) .. سبب إننا حنتكلم عنه هو إن الرجل ده لما كسب الإنتخابات الرئاسية بإكتساح في مايو 2017 ناس كتير سواء في فرنسا أو بره فرنسا علقت عليه أمال كبيرة أوي .. إحنا هنا في مصر مثلاً إنبهرنا بفكرة إن إزاي شاب لسه عنده 39 سنة قدر إنه خلال سنة واحدة يُنشيء حزب سياسي جديد لانج يخش به البرلمان وياخد أغلبية وبعد كده يرشح نفسه للرئاسة ويكسب .. ناس كتير إنبهرت به أكتر لما عرفت إن مراته (برجيت ماكرون Brigitte Macron) أكبر منه في السن بحوالي 20 سنة .. دي المعلومات العادية اللي بهرتنا كعرب وكمصريين عن (إيمانويل ماكرون) .. الناس اللي مهتمة أكتر بالسياسة الفرنسية كانت حاطه أمل كبير علي الرجل ده لإنه بيمثل رد الفعل العنيف لتيار سياسي كامل اللي هو اليسار الديموقراطي علي زحف اليمين المتطرف خصوصاً إن خصمه في الجولة الأخيرة من إنتخابات الرئاسة كانت (مارين لو بين Marine Le Pen) أكثر سيدة عنصرية إنت ممكن تقابلها في حياتك .. الرجل ده الأوروبيين شافوه علي إنه ردة الفعل بتاعة الناس العاقلة في أوروبا لما شافوا قرار بريطانيا إنها تسيب الإتحاد الأوروبي .. الأهم إن الأوروبيين العاقلين كانوا حاطين أمل إن (إيمانويل ماكرون) يبقي هو الند بتاع الرئيس الأميريكي (دونالد ترامب Donald Trump) وإنه هو والمستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل Angela Merkel) يشتغلوا مع بعض عشان أوروبا ترجع تاني زي زمان قوة سياسية كلمتها مسموعة في العالم .. طبيعي إن بعد 3 شهور من توليه الرئاسة إننا نسأل نفسنا .. يا تري يا هل تري الأخ (إيمانويل ماكرون) أخباره إيه؟ وياتري هل هو حقق ولو جزء بسيط من أمال و طموحات الناس اللي إنتخبته؟
الحقيقة إن شعبية (إيمانويل ماكرون) بتقع ولا الطيارة المحروقة .. بناء علي أخر استطلاع رأي عمله Website محترم أوي اسمه YouGov في شهر أغسطس 2007 ف36% بس من الفرنسيين راضيين عن أداء الرئيس بتاعهم وده تقريباً نفس الرقم بتاع نسبة الأمريكان اللي مبسوطين من شغل الرئيس الأميريكي (دونالد ترامب) .. ده بالضبط شبه إنك تقول إن نسبة الفرنسيين المبسوطين من شغل (إيمانويل ماكرون) هي نفس نسبة الزملكاوية اللي مبسوطين من شغل (مرتضي منصور) .. وعشان برده تتحط في الصورة .. يوم 7 مايو 2017 لما (إيمانويل ماكرون) استلم الرئاسة كانت نسبة الفرنسيين الراضيين عنه عدت 66% .. إنت متخيل إن خلال 3 شهور بس حوالي 50% من الناس اللي كانت مبسوطة منه بقت متضايقة ومش عاجبها شغله؟
السؤال دلوقتي هو ليه كده؟ إزاي بني أدم كسب الإنتخابات بإكتساح وبشعبية طاغية زي دي يخسرها بالشكل المذهل ده وخلال 3 شهور بس؟ .. عارف إنك حتقولي طب ما تبص علي الرئيس (عبدالفتاح السيسي) ما شعبيته هي كمان قلت جامد .. بس الرئيس (عبدالفتاح السيسي) داخل علي 4 سنوات في الحكم .. (إيمانويل ماكرون) خسر نص شعبيته في 3 شهور بس .. إزاي؟
الحقيقه إن فيه كذا سبب إتضربوا في الخلاط مع بعض وفي الأخر طلع ميكس لطيف أوي وخليني أرصلك الأسباب دي بإختصار وبعد كده نتكلم عنهم بشوية تفصيل:
- الإنطباع اللي إتاخد في الشارع إن (إيمانويل ماكرون) مش بيحترم المؤسسة العسكرية الفرنسية و دي حاجة بتضايق الفرنساويين جداً علي أساس يعني إن القوات المسلحة الفرنساوية سمعتها زي الألماظ.
- قلة الخبرة والأخطاء الساذجة اللي وقع فيها أفراد حزبه اللي لازم أفكرك إنه لسه حديث الولادة.
- طبيعة نظام الحكم الفرنسي نفسه جزء من المشكلة لإن فرنسا فيها نظام رئاسي بيدي للرئيس صلاحيات تقريباً مش موجودة في إيد أغلب قادة أوروبا زي مثلاً إن من حق الرئيس الفرنسي إنه يأمر بحل البرلمان .. مشكلة ده إنك لما تبقي رئيس لو حصلت مصيبة فإنت اللي بتشيل الليلة كلها لوحدك ولو حكومتك عملت حاجة صح فالناس بتمجد فيك وتقول عليك أحسن رئيس جه فرنسا حتي لو إنت متستحقش كل الكلام الحلو اللي بيتقال عليك.
- شخصية (إيمانويل ماكرون) كمان عليها عامل ويمكن من وجهة نظر الفرنسيين فشخصيته المستفزة هي أهم عامل خلي المواطنين الفرنسيين مبقوش طايقينه وحنفهم كمان شوية يعني إيه الرجل ده شخصيته فعلاً مستفزة.
أهم 3 أسباب لإنهيار شعبية (إيمانويل ماكرون) حنتكلم عنهم هم سوء الأداء بتاع الحزب بتاعه و طبيعة شخصيته و علاقته بالمؤسسة العسكرية:
سوء الاداء لحزبه:
الحزب اللي (ايمانويل ماكرون Emmanuel Macron) اسسه اسمه جمهوريه الحركه Republic of The Move و بالفرنساوي Republique En Marche وده حزب جديد بقاله يدوبك سنه يعني لو مخلف طفل صغير ممكن ميكونش لسه بيعرف يمشي .. الحزب ده لما (ايمانويل ماكرون Emmanuel Macron) اسسه كان كل همه انه يعمل حزب فيه مساواه و تنوع بين اعضاءه .. حتلاقي ان لجنه السياسات بتاعته عدد النساء هو نفسه عدد الرجال .. الحزب ده فيه تنوع عرقي مش حتشوفه في حزب تاني .. ده حزب سياسي واخد من كل فيلم اغنيه زي ما بنقول بس مش معني كده انه حزب متفاهم او اعضاءه طايقين بعض او عارفين يشتغلوا مع بعض وده ظهر اوي من شغلهم في البرلمان.
طبيعة شخصيته:
لسبب ما محدش قادر يفهمه أو يعرفه ف(إيمانويل ماكرون) مبيحبش يعمل لقاءات صحفية .. يمكن لإنه شخصية مملة جداً بشهادة الفرنسيين نفسهم .. علي فكرة (إيمانويل ماكرون) معندوش لا كاريزما ولا حس دعابة ومعندوش حاجة أصلاً .. هو بس شخص محترم ومؤدب وطموح .. كل ما (إيمانويل ماكرون) يحب يطلع علي شعبه بيطلع عليهم من قصر فرساي اللي هو رمز من رموز الملكية الفرنسية عشان يلقي خطاب طويل للشعب .. ده في حد ذاته زعل منه ناس كتير .. حاول تتخيل إن الرئيس (السيسي) مش بيتكلم مع حد في الإعلام خالص وكل ما يحب يظهر يطلع مثلاً من أحد قصور الرئاسة الفخمة يقول خطاب ربع ساعة ويمشي ومتشوفش وشه تاني .. حاجة تنرفز أظن .. (إيمانويل ماكرون) قدر إنه يخلي شعبيته خلال أول 3 شهور له في الحكم تبقي أقل من شعبية أخر 3 رؤساء جم قبله بعد مرور نفس المدة اللي هم (فرانسوا أولاند Francois Hollande) و (نيكولا ساركوزي Nicolas Sarkozy) و (جاك شيراك Jacques Chirac).
شخصية (إيمانويل ماكرون) خلت الناس في المعارضة بالذات رأيهم فيه إنه شايف نفسه زيادة عن اللزوم وده مخلي المعارضة تقف قدامه لو خد أي قرار حتي ولو تافه عشان يدي لنفسه برستيج الرئيس .. يعني مثلاً .. الرجل بمنتهي حُسن النية طلب إن مراته (برجيت ماكرون) تبقي رسمياً تحمل لقب سيدة فرنسا الأولي .. ده معناه إن جزء ضئيل أوي من الميزانية العامة حيُستقطع عشان يتصرف علي إنتقالاتها و تأمينها و حياتها الشخصية .. طبعاً المعارضة وقفتله وعملوا ورقة زي ورقة تمرد كده لو فاكرينها مضي عليها أكثر من 300,000 مواطن فرنسي رافضين إن مراته تحمل لقب سيدة فرنسا الأولي .. تقدر تقول إن المعارضة بس بتنكد عليه عيشته مش أكتر .. وعشان (إيمانويل ماكرون) ميبانش إنه بيكسر كلمة الشعب سحب طلبه وياعيني السيدة (برجيت ماكرون) صحيح إنها متجوزة الرئيس بس مينفعش إنها تحمل لقب سيدة فرنسا الأولي.
علاقته بالمؤسسة العسكرية:
النقطة دي مرتبطة بالنقطة اللي قبلها وهي طبيعة شخصية (إيمانويل ماكرون) اللي تحسسك إنه شايف نفسه أوي بس دي نقطة محتاجه تتشرح .. مهم تكون فاهم إن (إيمانويل ماكرون) كسب الإنتخابات بناء علي وعود إنتخابية من ضمنها إنه قال إنه حيخفض من حجم الإنفاق الحكومي عشان يخلي فرنسا ملتزمة بالقواعد الأوروبية المتعلقة بتقسيم الميزانية وطبيعي لإن الميزانية العسكرية بتبلع أغلب ميزانيات الدول فهو قرر إنه حيبدأ بتخفيض حجم الإنفاق العسكري .. لحد دلوقتي الدنيا مفهومة .. المشكلة إنه كان له وعد إنتخابي تاني بإنه حيزود من حجم الإنفاق العسكري .. إزاي متفهمش؟ .. يعني إزاي وعد بخفض الإنفاق الحكومي وفي نفس الوقت وعد بزيادة الإنفاق العسكري والناس صدقته عادي؟ .. لما (إيمانويل ماكرون) بقي رئيس واكتشف يا عيني إنه حط نفسه في مشكلة فكحل وسط هو قال إنه في ميزانية سنة 2017 بس حيقلل الميزانية العسكرية بحوالي مليار دولار والسنة الجايه إن شاء الله حيبقي يرجع المليار دولار تاني خصوصاً إن رقم مليار دولار ده يعتبر كسر من الميزانية العسكرية الفرنسية اللي بتوصل 37 مليار دولار سنوياً.
المشكلة إن القادة العسكريين الفرنسيين شافوا الموضوع عكس كده .. هم شافوا يعني إحنا بنحارب الارهاب جوه وبره ولينا قوات في مالي و أفغانستان و سوريا تقوم إنت جاي تقلل من ميزانيتنا .. المؤسسة العسكرية الفرنسية شافت قرار (إيمانويل ماكرون) علي إنه خيانة ليهم وكنوع من أنواع الإعتراض قدم رئيس الأركان اللي يعتبر أكبر قائد عسكري في المؤسسة العسكرية الفرنسية (بيير دي فيلاريس Pierre de Villiers) استقالته من منصبه.
بعيد عن موضوع إن طبيعة شخصية (إيمانويل ماكرون) بتخليه إنه مش عارف إزاي يتعامل مع العسكريين .. يعني إنت صحيح الرئيس الشرعي بس إنت لسه صغير وكمان مخدمتش قبل كده في القوات المسلحة فعلي الأقل تحلي بشيء من الأدب وإنت بتتكلم مع المؤسسة العسكرية بتاعتك .. مينفعش تطلع تكلمهم في خطاب رسمي حتي مكلفتش خاطرك إنك تزورهم وتزعق وتقول أنا القائد الأعلي للقوات المسلحة وحتسمعوا كلامي ومش من حقوا تعترضوا .. اه إنت الرئيس وكلمتك فوق الكل بس لازم تتواضع وتحترم اللي قدامك .. ودي النقطة اللي مخليه (إيمانويل ماكرون) شعبيته بتنهار بالشكل ده .. مينفعش إنت تبقي رئيس وترفض تتكلم مع الإعلام .. مينفعش شعبك يشوفك بس في الخطابات الرسمية أو في المؤتمرات الدولية لإن ده حيخلي الشعب ياخد عنك إنطباع إنك بس بقيت رئيس عشان تتصور والناس تعاملك بإحترام و تديلك برستيجك وخلاص .. (إيمانويل ماكرون) محتاج يسترجل .. بس ده اللي هو محتاجه .. محتاج ميخافش يقف قدام صحفي في Interview .. محتاج يتكلم بثقة مع المؤسسة العسكرية وميزعقش لإن الزعيق مش علامة قوة الشخصية قد ما هو علامة ضعف الشخصية.
المصدر:
- مقالة بعنوان Why does Emmanuel Macron’s presidential approval rating keep falling? نشرت في جريدة The Washington Post الأميريكية وده لينك المقالة الأصلية:
https://www.washingtonpost.com/world/europe/why-does-emmanuel-macrons-presidential-approval-rating-keep-falling/2017/08/19/c48a069a-82a4-11e7-9e7a-20fa8d7a0db6_story.html