تابعونا

حادثة قرية جولدزبورو .. التذكير المرعب بالمصيبة اللي إسمها الأسلحة النووية.

من ستين سنة و في ليلة من ليالي الحرب الباردة بين الغرب و الإتحاد السوفيتي تحطمت قاذفة طراز بي-52 فوق قرية جولدزبورو شايلة قنبلتين نوويتين عشان تسبب حالة من الذعر مشفتهاش أميركا من سنين.

30 أغسطس، 2022 874

لما حد بيتكلم معايا عن إزاي مصر معندهاش سلاح نووي في حين إن المشروع النووي الإسرائيلي شارخ بشكل غريب و لحد دلوقتي فيه أساطير بتتقال عن حجم الترسانة النووية الإسرائيلية فدايماً بحاول أقنع الشخص ده إن السلاح النووي دلوقتي مبقاش ليه لازمة .. صحيح إن حجتي بتبقي ضعيفة قصاد المنطق اللي مش بيتهزم بسهولة بتاع إشمعني هم .. ردي بيكون دايماً هو عشان ربنا ساترها .. ردي بيكون سبب لإستغرابه لحد ما بحكيله القصة اللي أنا ححكيهالك دلوقتي دي .. قصة إزاي فجر يوم 24 يناير 1961 كان يوم مرعب ولا كأنه فيلم من أفلام الزومبي بيحصل بحق و حقيقي و الناس عاشته بعنيها .. بس قبل ما نحكي حكاية اليوم ده لازم أشرحلك هو العالم كان شكله إيه سنة 1961 لإن العالم وقتها يختلف كتير الحقيقة عن العالم اللي إحنا عايشين فيه دلوقتي.

في الوقت ده كانت فيه حرب مولعة بتشمل العالم كله إسمها الحرب الباردة أو Cold War و اللي لازم تبقي عارف مين اللي كانوا بيحاربوا في الحرب دي .. علي إيدك اليمين المعسكر الشرقي اللي كان بيقوده الكيان اللي إسمه الإتحاد السوفيتي و اللي مفاضلش منه دلوقتي غير الدولة اللي إنت عارفها بإسم روسيا الإتحادية .. علي إيدك الشمال المعسكر الغربي اللي بتقوده أميركا و في ظهرها دول أوروبا الغربية زي بريطانيا و فرنسا .. الحرب دي كانت غريبة لسبب و هو إن علي الورق و قصاد الناس الطرفين مضربوش نار علي بعض .. رسمياً أميركا مدخلتش حرب ضد الإتحاد السوفيتي زي ما مثلاً مصر دخلت حروب مع إسرائيل .. دي كانت حرب بتتعمل من تحت لتحت .. من ورا الستارة .. حرب محدش عارف عنها حاجة غير الجواسيس و العلماء و عناصر القوات الخاصة اللي شاركت فيها .. عشان كده إتسمت الحرب الباردة .. دي مش حرب مولعة الإعلام بيغطيها كل يوم زي مثلاً الغزو الروسي لأوكرانيا أو الإحتلال الأميريكي للعراق و أفغانستان.

وسط الحرب دي كان فيه هسهس بيلعب في دماغ الأطراف كلها إسمه السلاح النووي .. إيه اللي يحصل لو عدوي ضرب عليا نووي؟ .. يا تري حلحق أرد؟ .. خلي بالك محدش كان بيسأل نفسه هو يا تري حعرف أصد الضربة ولا لا لإن بمجرد ما أول صاروخ نووي إتضرب فخلاص العالم كله بصوت واحد حيغني وداع يا دنيا وداع .. واحد من المشاريع اللي عملتها أميركا عشان تضمن إنها لو إتضرب عليها بالنووي فتكون ضامنه إنها حيبقي عندها الوقت إنها ترد بالنووي تحت شعار عليا و علي أعدائي كان مشروع غريب الشكل إسمه العملية القبة الكرومية Operation Chrome Dome .. الفكرة إن سلاح الجو الأميريكي دايماً و تحت أي ظرف من الظروف يكون له علي الأقل قاذفة قنابل طراز B-52 Stratofortress طايرة في السماء و تكون شايلة قنبلتين نوويتين .. مشروع فكرته إن يبقي دايماً يبقي ليك طيارة فيها قنبلتين نوويتين في الجو .. 24 ساعة في اليوم .. سبع أيام في الأسبوع .. 365 يوم في السنة .. برنامج مجرد التفكير في حجمه يجيبلك صداع .. كم الفلوس اللي بتتصرف علي الطيارات و صيانتها و بنزينها و مرتبات الطاقم بتاعها .. برنامج إحتاج إن سلاح الجو يختار عدد من القواعد الجوية اللي الطيارات دي تقلع منها و تهبط فيها عشان يبقوا زي ما تقول كده طيارين الموتوسيكلات بتوع طلبات أو مرسول بس بدل ما بيوصلوا أكل بيوصلوا قنابل نووية.

طيارة قاذفة من طراز B-52 Stratofortress من ضمن اللي شاركوا في عملية القبة الكرومية Operation Chrome Dome وقت الحرب الباردة.

من ضمن القواعد الجوية اللي أختيرت عشان تبقي جزء من المشروع كانت قاعدة سيمور جونسون الجوية Seymour Johnson Air Force Base جنب قرية جولدزبورو Goldsboro في ولاية كارولينا الشمالية .. الخطة لما إترسمت إن الطيارين اللي بيطلعوا من القاعدة الجوية دي بيطيروا فوق المحيط الأطلنطي لحد جزر الأزور تقريباً في نص السكة وسط المحيط و يرجعوا تاني .. يوم 24 يناير 1961 طلعت قاذفة B-52 بقيادة كابتن طيار (والتر تولوك Walter Tulloch) بإتجاه جزر الأزور لما يدوبك بعد أقل من ساعة من الرحلة الطيار و المساعد بتاعه خدوا بالهم إن خزان البنزين بتاع الطيارة بيفضي بشكل سريع .. لما الطيار بلغ برج المراقبة بتاع القاعدة هم نصحوه بإنه يلف و يرجع تاني بسرعة بس هو قال خلينا نجرب شوية كمان .. لما لقي إن الوضع بيسوء فقرر يرجع فعلاً .. و هو راجع و لما بقي علي بعد 24 كيلومتر بس من القاعدة و طاير علي إرتفاع 1500 متر فجأة كل حاجة باظت.

كابتن طيار (والتر تولوك) كان ضابط طيارته زي ما هو إتعلم بالضبط .. قدامه مهبط رقم 26 .. سرعته صح .. إرتفاع صح .. فجأة بيسمع صوت عالي أوي جاي من يمين الطيارة .. بيبص لمصدر الصوت لقي جناح الطيارة اليمين بيتكسر و بيقع و بينفصل عن جسم الطيارة .. هو كان عارف السبب إيه .. هو كان عارف إن شركة بوينج Boeing اللي بتصنع الطيارة دي هبدت هبداية إنهم حطوا تانكات بنزين إضافين في الجناحين بتوع الطيارات بس إكتشفوا إن التانكات دي بتسبب إهتزازات Vibration جامدة ممكن تكون السبب إنها توقع الجناح .. كابتن طيار (والتر تولوك) كان عارف إن طيارته دي إتحطت علي الجدول بتاع ورشة الصيانة إن الخزانات الإضافية في الجناحين دي حتتشال بس كان خلاص فات المعاد .. هو شاف بعنيه الجناح و هو بيسب لشركة بوينج و لسلاح الجو كله مية ملة و هو بيقع .. كابتن طيار (والتر تولوك) ملقاش حل غير إنه يتك علي زرار الهروب Bail Out .. الزرار اللي لو أي حد في الطيارة سمعه بيجري علي الكرسي القاذف بتاعه عشان يهرب بره الطيارة.

سلاح الجو الأمريكاني له إسم للحوادث اللي زي دي إسمه السهم المكسور Broken Arrow و السهم المكسور ده يبقي رأس نووي ضاع إما إتسرق أو الطيارة اللي شايلاه وقعت .. في حالة الطيارة B-52 اللي بنحكي قصتها القنبلتين اللي كانت شايلاهم كانوا قنبلتين 3.8 ميجاطن يعني القدرة التدميرية للقنبلة الواحدة قد إنك تجيب 3,800,000 كيلوجرام من مادة تي إن تي TNT شديدة التدمير و تفرقعهم .. بمعني أخر .. القنبلة الواحدة ليها نفس القدرة التدميرية لكل القنابل اللي البشر فرقعوها خلال الخمس سنين بتوع الحرب العالمية الثانية .. قنبلتين بالخطورة دي وقعوا من طيارة .. إنت متخيل؟ .. بمجرد ما الحادثة حصلت طلعت طيارات هليكوبتر من قاعدة سيمور جونسون الجوية متركب عليها ميكروفونات عشان تحذر سكان القري اللي جنب مكان الحادثة إنهم يخلوا المنطقة فوراً .. محدش كان متوقع إن ربنا حيسترها كده.

أطقم الإطفاء بتحاول تسيطر علي الحريقة اللي مولعة في مكان تحطم القاذفة B-52 Stratofortress قرب قرية فارو Faro في ولاية كارولينا الشمالية في فجر يوم 24 يناير 1961 .. الطيارة كانت شايلة قنبلتين نوويتين و وقعوا منها أثناء تحطم الطيارة.

واحدة من القنبلتين الباراشوت بتاعها فتح و الطيارة بتقع و القنبلة هبطت بسلام من غير أي مشاكل .. القنبلة التانية اللي كانت معجزة و ستر من ربنا إنها منفجرتش .. القنبلة وقعت زي الطوبة و من وزنها عملت حفرة عمقها 54 متر و لما وقعت القلب البلوتونيوم بتاعها إتفك و معرفوش يطلعوه وفضل مدفون في الأرض و إتحطت يدوبك يافطة في مكان سقوط القنبلة بتحذر أي حد يحفر ببلدوزر في المنطقة دي عشان ميعملش كارثة .. بس رغم كده لما أطقم القوات الجوية كشفت علي القنبلتين لما لقوهم إكتشفوا إن القنبلة اللي نزلت زي الطوبة دي كانت ولا حاجة في مشاكلها قد القنبلة التانية اللي هبطت بالباراشوت .. الحقيقة دي الناس معرفتهاش إلا سنة 1983 يعني بعد أكتر من عشرين سنة من الحادثة لما وزير الدفاع وقت (روبيرت ماكنمارا Robert McNamara) طلع إعترف إن القنبلة عشان تنفجر بتحتاج من 6 إلي 7 خطوات .. المشكلة إن وهي بتهبط بالباراشوت و بسبب الصدمات اللي كانت بتتعرضها الكومبيوتر بتاع القنبلة من نفسه بدأ ينفذ خطوات التفجير ولما القنبلة هبطت كان فاضل للكومبيوتر خطوة واحدة بس و بوووووم .. الخلاصة و اللي خدها مني كلمة و متراجعش ورايا إن إحنا كبشر لسه عايشين علي الأرض مش لسبب غير الستر.

الصورة اللي إتصورت لواحدة من القنبلتين النوويتين اللي وقعوا و دي القنبلة اللي الباراشوت بتاعها فتح و نزلت للأرض و كانت مصيبة لوحدها لإن الكومبيوتر بتاعها إشتغل لوحده و عدي كل مراحل تفعيل القنبلة ما عدا المرحلة الأخيرة.

المصدر:

مهندس ميكانيكا بحب الصحافه و الكتابه .. مؤمن بان من حق كل بني ادم انه يعرف الحقيقه ورا الخبر .. رسالتي انك تفهم حقيقه اللي بيحصل عشان لما تقرر رايك تكون فاهم انت بتقرر علي اي اساس

اترك تعليق

بريدك الالكتروني لن ينشر. يجب ملئ الخانات بعلامة *

من فضلك ادخل التعليق!

من فضلك ادخل الأسم!

من فضلك ادخل البريد الالكتروني!من فضلك ادخل بريد الكتروني صحيح!