لينك التسجيل الصوتي علي ساوند كلاود:
https://on.soundcloud.com/8v95p
جت فترة علي العلماء كانوا بيتعاملوا مع التجارب النووية زي ما إنت بتتعامل مع المكرونة كده .. إنت ممكن تاكل المكرونة إسباجيتي أو فرن أو عوقل صغيرة .. ممكن تاكلها بصلصة أو بصوص بشاميل .. ممكن تاكلها مع فراخ بانيه أو مع لحمة محمرة أو حتي بيض مسلوق .. لو مستغرب إزاي تاكل مكرونة مع بيض مسلوق فعايزك تجربها بس الأول بعد كده تدعيلي .. برده الإخوة بتوع الفيزياء النووية جه عليهم وقت جربوا كل الطرق لتفجير القنابل النووية .. جربوا يفجروها في الجو و في البحر و في باطن الأرض .. فجروها و هم بيرموها من طيارات .. فجروها بعد ما حطوها علي رؤوس صواريخ … فجروها و هم حاطينها في صناديق و دافنينها في الأرض .. جه وقت علي العلماء الأمريكان إنهم كانوا بيفجروا قنبلة نووية تقريباً كل إسبوع.
يوم 16 يوليو 1945 كان اليوم اللي البشر فيه كانوا زي الطفل اللي داق الأيس كريم لأول مرة .. هو جربها مرة و شبط فيه .. إحنا كنا كده برده .. في اليوم ده الأمريكان فجروا أول قنبلة نووية تجريبية .. هي كانت قنبلة من البلوتونيوم و كانت أول تجربة من 3 تجارب عشان يتفرجوا بعنيهم علي إزاي السلاح ده حيدي للأمريكان الهيمنة المطلقة علي العالم .. من ضمن اللي حضروا التجربة كان واحد إسمه (كينيث باينبريدج Kenneth Bainbridge) و ده بتاع فيزياء نووية من ضمن اللي شغالين علي مشروع البرنامج النووي الأمريكاني في الحرب العالمية الثانية و اللي بمجرد ما شاف حجم الدمار بتاع القنبلة بعت لرسالة لدكتور (روبيرت أوبينهايمر Robert Oppenheimer) مدير المشروع قاله فيها نصاً و أنا مش بعيد صياغة اللي قاله .. إحنا كلنا بقينا دلوقتي ولاد وس&%.
الحقيقة إن (كينيث) كان عنده حق .. بعد أقل من شهر كانت أميركا بترمي قنبلتها النووية الأولي فوق هيروشيما و بعدها ب3 أيام رمت قنبلتها الثانية علي ناجازاكي .. صحيح أميركا كسبت الحرب .. و صحيح اليابان إستسلمت .. و صحيح زي ما قلت قبل كده إن عدد الضحايا اللي كان متوقع للغزو البري الأميريكي لليابان كان أعلي بكتير من عدد الضحايا من المدنيين اليابانيين اللي ماتوا من القنبلتين النوويتين بس حاول تقول ده ل100,000 بني أدم اللي ماتوا .. بس مش ده اللي أنا عايز أتكلم عنه النهاردة .. اللي أنا عايز أتكلم عنه هو معلومة حاول تستوعبها كويس .. جاهز؟ .. بداية من يوم 16 يوليو 1945 و ده اليوم اللي الأمريكان جربوا فيه أول قنبلة نووية لحد يوم 10 سبتمبر 1996 و ده اليوم اللي إتمضت فيه معاهدة الإلغاء الكامل للتجارب النووية اللي هي Comprehensive Nuclear Test Ban Treaty فالأمريكان لوحدهم فجروا أكثر من 1000 قنبلة نووية .. دلوقتي أنا عايز أخدك في جولة سريعة للتطور الطبيعي للإختبارات النووية عشان تعرف بس إزاي الجشع بياكل قلوب البني أدمين.
في الخمسينات كانت فترة هبد عابر للقارات للإخوة بتوع الأسلحة النووية .. كتاب كيف تصنع قنبلة نووية من غير ما تخرب البيئة كان لسه بيتكتب و بالتالي المهندسين و العلماء اللي إشتغلوا في الموضوع ده بوظوا الدنيا .. الحقيقة إن كلمة بوظوا دي تقليل شنيع للي حصل بس خليني أفهمك المشكلة فين .. الفكرة إن الحسبة اللي الفيزيائيين حسبوا بيها درجة الخطورة بتاعة ما يسمي Explosive Yield للقنبلة النووية لو إنفجرت في الغلاف الجوي كانت غلط .. بمعني تخيل إني بتكلم عن قنبلة يدوية عادية من اللي بيمسكها العساكر و جيت أنا قلتلك إنك لو قفت علي بعد متر واحد بس من القنبلة و هي بتنفجر مش حيحصلك حاجة .. طبعاً إنت عارف إن المعلومة دي غلط لإن متر ده مش كفاية خالص إنه يحميك من تأثير إنفجار قنبلة يدوية بس هي دي الحسبة اللي الفيزيائيين وصلوا ليها .. الأمريكان كانوا بيفجروا قنبلة نووية تجريبية في المحيط الهاديء فالغبار النووي للإنفجار يوصل الهند .. تقريباً الصيادين اليابانيين طلع عينهم من التجارب النووية الأميريكية في المحيط الهاديء لإن الغبار النووي كان بيقع علي سفن الصيد اليابانية و يسبب حروق للصيادين.
درة تاج الهبد حصلت لما طيارة شايلة قنبلة نووية وقعت منها جنب قاعدة كيرتلاند الجوية الأميريكية في ولاية نيوميكسيكو .. أه ده حصل فعلاً .. زي ما إنت تبقي ماشي في الشارع و علبة البيبسي الكانز تقع منك فيه طيار وقعت منه قنبلة نووية .. كل المصايب دي اللي نجدنا منها ستر ربنا و المصايب دي خلت الأمريكان و السوفييت سنة 1963 يمضوا إتفاقية المنع الجزئي للتجارب النووية Partial Nuclear Test Ban Treaty و اللي قالت إنهم مش حيفجروا أي قنبلة نووية تجريبية في الغلاف الجوي للأرض .. لسه العالم حيقول هييييييه لقينا إن إحنا أتخزوقنا مش إرتحنا.
خلال سبع سنين من بعد توقيع الإتفاقية سنة 1963 الأمريكان لوحدهم فجروا عدد قنابل نووية تجريبية تحت الأرض أكتر من اللي هم فجروها فوق الأرض خلال 18 سنة قبل توقيع الإتفاقية .. من بعد الإتفاقية دي ما إتمضت الأمريكان زي ما يكونوا إتسرعوا .. سنة 1967 الترسانة النووية الأميريكية وصلت لأقصي عدد رؤوس نووية ليها في تاريخها ب31,225 رأس نووي و صدقني ده مش غلطة مطبعية هم فعلاً بقي عندهم العدد ده من القنابل النووية .. ليه؟ .. حيتنيلوا يعملوا بيهم إيه؟ .. صدقني لو قلتلك إن حتي الأمريكان اللي كانوا مسئولين عن الترسانة النووية الأميريكية وقتها معندهمش إجابة .. هي مكنتش تجارب لإختبار هي القنابل اللي بنصنعها شغالة ولا لا؟ .. ولا حتي كانت تجارب الهدف منها الردع النووي أو Nuclear Deterrence يعني الروس يشوفونوا بنفرقع قنابل نووية زي ما نكون بنفرقع بومب و صواريخ في رمضان فيخافوا مننا و يعملولنا حساب .. هي كانت عشان يجربوا قنابل أقوي و أحدث .. يغيروا حاجة في التصميم فيجربوه بإنهم يفرقعوا قنبلة جديدة .. لما إتفاقية الحظر الكامل للتجارب النووية إتمضت سنة 1996 كانت فيه خناقة جوه أميركا.
علي إيدك اليمين كانت الحكومة الأميريكية اللي شايفه إزاي التجارب النووية دي مش عايز أستخدم لفظ خارج بس كان تأثيرها مدمر أوفر علي البيئة .. علي إيدك الشمال الكيانات اللي كانت بتسترزق من التجارب النووية دي و دول كانوا 3 معامل تطوير أسلحة اللي هم معمل لورينس ليفرمور Lawrence Livermore و معمل سانديا Sandia و معمل لوس ألاموس Los Alamos .. قدام الناس المعامل دي كانت وجهة نظرها إن لو أميركا لغت التجارب النووية فكده هم فعلياً حيخلوا الترسانة النووية تصدي .. لكن الحقيقة كانت إن المعامل الثلاثة كانوا خايفين علي أكل عيشهم .. الناس دي كانت بتاكل الشهد من تطوير القنابل النووية و اللي لو الحكومة الأميريكية بطلت تفرقعها فالناس دي مش حتلاقي شغل .. في سبتمبر 1992 الأمريكان فجروا أخر قنبلة نووية تجريبية ليهم بس قبل ما تتخيل إن خلاص كده القصة خلصت فعايزك تعرف إننا لسه بنبتدي .. حالياً البرنامج النووي الأميريكي ماشي في 3 سكك:
السكة الأولانية هي صيانة ال4,000 رأس نووي اللي تحت إيد الترسانة النووية الأميريكية .. عدد الرؤوس النووية اللي تحت إيد الأمريكان و الروس زي ما يكون عمل دايت كيتو قاسي عشان يخس للعدد ده بعد ما إتمضت إتفاقية START و بعديها New START .. السكة دي الأمريكان حاطين ليها مشروع إسمه Stockpile Stewardship و محطوطله ميزانية محترمة الحقيقة .. اللي شغال أوي في السكة دي هو معمل Lawrence Livermore National Laboratory اللي قلتلك إنهم كانوا مرعوبين من اليوم اللي تتلغي فيه التجارب النووية عشان خايفين ميلاقوش شغل و يقفلوا .. دلوقتي الناس مش ملاحقة علي الشغل.
السكة الثانية بتتسمي Virtualization of Nuclear Tests و دي بمنتهي البساطة إن رغم كل التجارب النووية اللي إتعملت في السنين اللي فاتت إلا إن المهندسين و الفيزيائيين مش عارفين إجابات أسئلة كتير أوي عن اللي بيحصل في الإنفجار النوي و بسبب إلغاء التجارب النووية فهم مبقاش عندهم حل غير إستخدام تكنولوجيا جديدة عشان يدرسوا بيها تفاصيل الإنفجار النووي و هنا أنا بتكلم عن الليزر و إنك تعمل برنامج محاكاة Simulation تطلع منه نتايج عن طريق Supercomputer بدل ما تجيب قنبلة و تفرقعها .. تاني حتلاقي Lawrence Livermore National Laboratory شغال برده في السكة دي اللي هو عايز تقولهم يا سبحان الله رزقك حيجيلك حتي لو جريت منه .. الناس دي عاملة حاجة إسمها National Ignition Facility أو مبني الإشعال الوطني و إختصارا بتتسمي NIF و البتاعة دي محطوط فيه واحد من أقوي أجهزة الليزر في العالم عشان يعمل محاكاة أو Simulation لنفس ظروف الإنشطار النووي.
الفكرة اللي عايزك تبقي فاهمها إن زمان لما تجيب قنبلة نووية تدفنها في حفرة و تفرقعها فإنت كمهندس عشان تدرس الإنفجار بتحط مع القنبلة الالاف من الحساسات Sensors بتكلفة ملايين الدولارات و يمكن تكلفة Sensors قد تكلفة الرأس النووي نفسه عشان في أجزاء الثانية اللي بمجرد ما الإنفجار يحصل الSensors دي تديلك كل القرايات اللي إنت كمهندس محتاجها .. دلوقتي عشان إنت معاك شعاع ليزر بتقدر تتحكم فيه فكأنك بتتفرج Live علي الإنفجار النووي زي ما تكون بتتفرج علي ماتش كورة.
قول مثلاً إنك كمهندس عايز تحضر الدكتوراه بتاعتك في تأثير الشوائب علي أداء القنبلة النووية .. زمان كنت بتحتاج تجيب قنبلة نووية و تتعمد تحط فيها الشوائب اللي إنت عايز تدرسها و تفجرها .. دلوقتي إنت مش محتاج تعمل كل ده .. حضرتك بتجيب حاجة بيسموها Target Vessel و دي عبارة عن علبة يدوبك عرضها خمسة سنتيمتر يعني قد علبة لبان كلوريتس و جوه العلبة دي بتحط الشوائب بتاعتك .. بيبقي عندك 192 شعاع ليزر بيتوجهوا علي العلبة بترفع درجة حرارتها لتقريباً 27 مليون درجة مئوية و ده مش غلطة مطبعية .. لو إنت مغلف العلبة دي بواحد من نظائر الذهب إسمه هوهلراوم Hohlraum فاللي بيحصل إن كأنك جبت العلبة دي حطيتها في فرن إشعة إكس X-Ray يعني عرضتها لصدمة إشعاعية عالية في وقت قليل .. بمعني أخر كأنك فجرت قنبلة نووية.
السكة الثالثة هي الطاقة النووية الإندماجية Nuclear Fusion .. هنا الإخوة بتوع Lawrence Livermore National Laboratory بيعملوا نفس التجربة اللي فاتت .. بتجيب علبة الكلوريتس دي برده بس بتغلفها بطبقة من الألماس و جواها بيكون فيه ميكس من غازي ديوتيريوم Deuterium و التريتيوم Tritium و الإثنين من النظائر المشعة للهيدورجين و برده بتنشن ال192 شعاع ليزر علي العلبة بحيث إن الحرارة العالية في وقت قليل بتخلي قيمة الضغط علي العلبة في كام ثانية حوالي مليون مرة قيمة الضغط الجوي اللي إحنا عايشين فيه .. الضغط الرهيب ده بيخلي الغازين يندمجوا مع بعض و إندماجهم ده بيولد كمية طاقة أكبر بكتير من الطاقة اللي إنت صرفتها علي 192 شعاع ليزر .. لو قدرت تحافظ علي إندماج غازي الديوتيريوم و التريتيوم فإنت كده وصلت لحاجة بيسموها الإشعال أو Ignition و لو ده حصل فأقدر أقولك مبروك إحنا كبشر حنكون حلينا مشكلة التلوث و الإحتباس الحراري و أزمة الطاقة.
فيه كمان معمل Sandia National Laboratory اللي كان برده خايف لا أكل عيشه يتقطع مع إلغاء التجارب النووية بس لقوا نفسهم شغالين و زي الفل في أبحاث الطاقة النووية الإندماجية .. الناس دي عاملة حاجة إسمها Z Machine شغالة علي تجربة علمية واحدة فقط لاغير و هي إنهم يعرفوا هو شخصية (ثور Thor) بتاعة أفلام Marvel لو موجود بحق و حقيقي حيعمل إيه .. الناس دي بتجيب مكثفات تشحنها كهرباء و تفرغ كمية طاقة حوالي 1,000 ضعف الفولت اللي موجود في البرق علي بتاعة قد الجنية الفضة اللي إنت بتدفعه في المواصلات ده .. الفكرة إنهم عايزين يدرسوا إيه اللي ممكن يحصل لما تعرض حاجة لكم الطاقة و الحرارة ده؟ .. إيه اللي بيحصل للجنية الفضة لو عرضته لحرارة 3 مليار درجة مئوية في كام ثانية؟
الحقيقة إن حالياً ده العصر الذهبي لأبحاث الطاقة النووية بره خصوصاً في أميركا .. معلش حرجع تاني أتكلم عن معملLawrence Livermore National Laboratory لإن الناس دي فعلاً بتسحر .. زي ما عملوا National Ignition Facility فهم كمان عملوا حاجة إسمها Big Explosives Experimental Facility أو مبني الإنفجارات التجريبية الكبيرة و إختصاراً بيسموه BEEF و في البتاعة دي المهندسين بيجيبوا مواد مش مشعة من اللي بتستخدم في صنع القنابل النووية و بيفجروها بإستخدام قنابل عادية عشان يدرسوا تأثير الإنفجار عليها .. جنبهم علي طول الإخوة بتوع Lawrence Livermore National Laboratory عاملين مدفع مسميينه جاسبر Jasper كل اللي بيعمله إنه بيضرب طلقات بسرعة بتوصل 7600 كيلومتر في الساعة علي علبة من البلوتونيوم.
كل الأبحاث دي عشان يقدروا يفهموا هو إيه اللي بيحصل جوه الإنفجار النووي .. محاولة إنهم يلاقوا إجابات للأسئلة الكتير أوي اللي الإنفجارات النووية التجريبية مكنتش بتعرف توفرها .. كل الداتا دي بتتحط في Supercomputer بتاع Lawrence Livermore National Laboratory إسمه سييرا Sierra و علي فكرة هو يبقي ثالث أقوي Supercomputer في العالم .. بس هي الفكرة مش في الComputing Power بتاعة الكومبيوتر بتاعك .. المشكلة هي المعادلات و الأرقام اللي انت بتدخلهاله صح ولا غلط .. لو إنت بتحضر ماجستير و بتعمل C.F.D. Simulation ببرنامج Ansys و فرحان أوي بالنتايج و الرسومات اللي بتطلعلك فخلي بالك إن لو المعادلات بتاعتك غلط فإنت كده مش بتطلع نتايج هندسية .. إنت مجرد بترسم لوحة ملونة بس مصروف عليها شويتين .. فتاني إحنا عايشين في العصر الذهبي بتاع الأبحاث النووية و الغريب و اللي يحرق الدم هو إنك بدأت تفهم هو يعني إيه إنفجار نووي بحق ربنا بعد ما فجرت فوق الألف قنبلة نووية و علي الفاضي.
المصدر:
مقالة بعنوان Nuclear Tests Have Changed, but They Never Really Stopped نشرت في مجلة Wired و ده لينك المقالة الأصلية:
https://www.wired.com/story/nuclear-tests-have-changed-but-they-never-really-stopped/