تابعونا

في زمن الكورونا .. وديت النحاس فين يا لص؟

إحنا جيل إتضحك عليه .. جيل إتقاله إن الألمونيوم و الستانليس ستيل و البلاستيك أحلي عشان مش بيصدوا و شكلهم حلو .. إتقالهم إن النحاس عايز تنظيف مستمر و إحنا معندناش وقت .. الست دلوقتي بتشتغل زي الرجل و محدش فاضي كل شوية ياخد صواني و حلل البيت يوديها لواحد مخصوص عشان ينظف النحاس و يشيل من عليه الصدأ.

26 مارس، 2020 2.4 ألف

لينك التسجيل الصوتي للمقالة علي Sound Cloud:
https://soundcloud.com/user-112011687-312727988/2ybebjaig5tv

لو إنت مهندس ميكانيكا شاء ربنا و إشتغلت في مجال الإستشارات الهندسية في تصميم شبكات المياه و شوف يا أخي محاسن الصدف إنك تشتغل في مشروع في قطر أو الإمارات مثلاً فإنت حتلاحظ حاجة غريبة شوية .. حتلاحظ إن هناك بيطلبوا مواسير المياه تبقي معموله من النحاس مش من البلاستيك .. لو إنت نفس المهندس بس حظك الأسود كان إن حضرتك من جيل الثمانينات فإنت في نظر البعض بقيت عمو و كمان إنت من الشرفاء اللي يمكن و هم صغيرين شافوا إن جدك و جدتك أوضة نومهم و بالأخص سريرهم كان معمول تقريباً كله من النحاس مش من الخشب .. لو إنت قديم شوية كمان فإنت غالباً عاصرت جدتك و هي واقفة في المطبخ بتطبخ في حلل و صواني نحاس .. الهون اللي كانت بتدق بيه الثوم كان من النحاس .. قبل ما تقول لنفسك يااااع إيه ده إحنا دلوقتي بقي عندنا حلل تيفال و طاسات جرانيت و أطباق بايريكس فخليني أقولك أولاً (سوري في الكلمة يعني) إتوكس علي خيبتك .. ثانياً خليني أحكيلك قصة دكتور اسمه (فيكتور بيرك Victor Burq) كان مستغرب نفس إستغرابك دلوقتي كده و يمكن إستغرابه ده خلاه يسأل إن أكيد فيه سر ورا الموضوع .. أكيد مش سحر ولا شعوذة .. الأول خليني أحكيلك ليه (فيكتور) كان مستغرب؟ و ليه إستغرابه ده هو اللي خلي جدك و جدتك و جيلهم كله يعشق النحاس لدرجة الغرام؟ و ليه جيلنا ده موكوس وكسة ما يعلم بيها إلا ربنا عشان مخنا إتلحس بالبلاستيك و التيفال؟

يحكي أن خلال سنين 1832 و 1849 و 1852 العاصمة الفرنسية باريس فعلياً و مش ببالغ إتداس علي وشها بسبب موجة إصابة بمرض الكوليرا مسابتش عيلة إلا و قتلت منها حد .. الكوليرا زي ما يمكن في مقالة جايه أحكي بالتفصيل مرض بكتيري ناتج إنك لما بتجيب الصرف الصحي لمدينة ترميه مثلاً في نهر و أهل البلد يشربوا مياه النهر الملوثة دي .. سنة 1852 (فيكتور) كان دكتور في باريس و شاف بعنيه الوباء و هو بينهش في لحم المدينة بس وسط ريحة الموت دي هو لاحظ حاجة غريبة جداً .. فيه حارة في باريس عايش فيها صنايعية النحاس .. دي الناس اللي شغلتها إنتاج النحاس و إنها تصنع منه منتجات تتباع زي المجوهرات .. أساساً وقتها شغلانة النحاس دي كانت خطر و ظروف معيشة الصنايعية مش أدمية و فيه منهم كتير ماتوا بسبب إصابات إتعرضولها في الشغل بس خلال ال3 سنين الي حصل فيهم تفشي للكوليرا ولا واحد من الصنايعية في حارة النحاسين إتصاب بالكوليرا .. بتتكلم عن أكتر من 500 صنايعي كل اللي حوليهم بيموت إلا هم .. (فيكتور) كان بيشد في شعره .. هو أكيد الموضوع له علاقة بالنحاس بس إيه؟ .. هو مينفعش يطلع يقول إن النحاس حلو .. أول سؤال حيتسأله هو إزاي؟ و ده سؤال هو معندوش إجابته .. مش دلوقتي علي الأقل.

(فيكتور) خد شنطته و قلم و ورقة و قعد يلف علي حواري النحاسين في كل مدن أوروبا الكبيرة .. لما الكوليرا ضرب لندن في سنة 1854 (فيكتور) كان هناك و زي باريس أي حد شغال مع النحاس بشكل يومي طلع من الوباء زي الشعرة من العجين .. سواء بتتكلم عن اللي بيشتغلوا في المجوهرات أو الحدادين أو اللي شغالين في صناعة الغلايات و حتي الفرق الموسيقية بتاعة القوات المسلحة .. سنة 1865 الكوليرا ضرب باريس تاني .. تخيل حضرتك إن باريس اللي كان عايش فيها وقتها 1,677,000 بني أدم مات منهم 6,176 .. عارف دول قد إيه؟ .. ده 3.7 بني أدم من كل 1000 بني أدم عايش في المدينة .. بس خلي بالك .. من أصل 30,000 شغالين مع النحاس أيا كانت الشغلانة طبيعتها إيه ففيه منهم 45 بس ماتوا .. عارف دول قد إيه؟ .. دول 0.5 بني أدم من كل 1000.

أخيراً سنة 1867 (فيكتور) سلم تقريره للأكاديمية الفرنسية للعلوم و الطب .. تقرير إشتغل عليه 15 سنة زار فيهم 400 مكان شغل بيتعامل مع النحاس في كذا دولة في أوروبا من إنجلترا لفرنسا للسويد لروسيا و عمل إنترفيوهات مع أكتر من 200,000 عامل .. التقرير قال إنه و من غير أي مجال للشك إن البني أدم اللي كل يوم بشرته بتتعامل مع النحاس بكل أشكاله سواء الصورة الخام منه أو السبايك بتاعته اللي هي البرونز أو اللي بيسموها Brass فالبني أدم بيجيله مناعة طبيعية ضد الكوليرا .. وقتها (فيكتور) مكنش عنده الإمكانيات إنه يشرح ليه؟ .. ليه النحاس له القدرة دي؟ .. بس دلوقتي إحنا عارفين .. و خليني أقولك من دلوقتي إستعد إنك بعلو صوتك تقول أحييييييه أنا إزاي مكنتش أعرف ده عن النحاس و فضلت سنين مقتنع إن الديتول ده أحسن إختراع للحماية من البكتريا؟

النحاس ربنا خلقه زي ما تقول كده Antimicrobial .. مادة ليها قدرة ربانية علي قتل البكتريا و الفيروسات في دقايق و هنا بتكلم عن أي فيروس في الدنيا بما فيها كورونا فيروس أو Covid-19 .. السؤال دلوقتي هو ليه؟ .. ليه النحاس عنده القدرة دي؟ .. الفكرة كلها إن بمجرد ما فيروس زي Covid-19 ينزل علي سطح نحاس فالنحاس بيطلق أيونات و دي شحنات كهربية بتدمر الخلايا الفيروسية و بتمحي DNA بتاع الفيروس .. تخيل معايا إن الفيروس ده عبارة عن فلاشة متفيرسه و إنت عملتلها فورمات .. أهو ده اللي بيعمله النحاس .. هو بيعمل فورمات لخلايا الفيروسات فالفيروس مبيبقاش عارف هو بيعمل إيه هنا؟ ولا بيعرف إنه يتحور جينياً يعني يحصله Mutation لإن DNA و ده يبقي الميموري بتاعته بتتفرمط .. طب هل تعلم سيدي القاريء إن الفراعنة و من قبلهم البابليين لاحظوا الحكاية دي في النحاس؟ .. فيه بردية مشهورة أوي اسمها بردية (سميث) و إتسمت كده علي اسم عالم الأثار (إدوين سميث Edwin Smith) اللي إكتشفها و اللي غالباً كتب البردية دي كان (ليوناردو دافنشي) بتاع الفراعنة اللي هو (أمنحوتب) و اللي قال نصاً إنك لما تعمل الكوبايات و الأطباق و المعالق من النحاس فده بيدي البني أدم مناعة طبيعية ضد الأمراض .. مش بس كده .. المقاتلين الفراعنة عشان كانوا بيصنعوا سيوفهم من البرونز اللي هو سبيكة من سبايك النحاس فلما كانوا بيصنعوا سيوفهم أو بيحموها فالرايش بتاع البروتز كانوا بيجمعوه عشان الدكاتره في الحروب يحطوا الرايش ده علي الجروح لإنهم لاحظوا إنه بيعقم الجروح.

صورة من بردية (سميث) أول دليل علي إن الفراعنة كانوا فاهمين أهمية النحاس في مكافحة البكتريا.

بعد كل ده أنا لقيت نفسي بسأل هو إحنا ليه استغنينا عن النحاس بالشكل ده؟ .. أنا شخصياً إتصدمت إن فيه حاجة اسمها Healthcare Acquired Infection أو HAI و دي إنك ممكن تخش مستشفي تزور حد و تكون إنت داخل سليم بس تلمس حاجة يكون عليها بكتريا جاية من مريض قاعد في المستشفي و هوبا تتعدي .. في أميركا لوحدها سنوياً فيه 1.7 مليون بني أدم بيخشوا المستشفي سلام و بيطلعوا منها مصابين بأمراض بسبب HAI و من 1.7 مليون بني أدم دول فيه منهم 99,000 سنوياً بيموتوا .. تخيل حضرتك عشان إحنا قولنا إن النحاس غالي و المقاولين بقوا بيركبوا مقابض و سندات ألمونيوم عشان أرخص في المستشفيات فالمصابين بسبب HAI لوحدهم بيقفوا علي ميزانية البلد ما بين 35.7-45 مليار دولار لمجرد إن مقاول معندوش ضمير مش عايز يصرف .. الميكروبات و الجراثيم و البكتريا ليها القدرة إنها تفضل عايشه لأكتر من 5 أيام علي مقابض الأبواب و بمجرد ما حضرتك تلمسها و تقوم داعك في عينك أو حاطط إيدك علي بقك حتتعدي.

يحكي أن في دراسة إتنشرت سنة 2015 لقوا إن نوع من أنواع فيروسات كورونا و يبقي ابن عم Covid-19 بس اسمه 229E بيفضل عايش علي أسطح الزجاج و البلاستيك و السيراميك لمدة بتوصل 5 أيام .. بلاش كل ده .. الإخوة في جامعة MIT في أميركا جابوا فيروس كورونا Covid-19 و رشوه علي أسطح ألمونيوم و ستانليس ستيل عشان يشوفوا قد إيه الفيروس ممكن يعيش جوه المستشفيات و لقوا إن لو مريض بس عطس في المستشفي و هو حامل للفيروس و الرذاذ ده وصل لمسند سرير فممكن يفضل عايش علي المسند ده لأكثر من 3 أيام و أي حد حظه وحش يلمس المسند و بعد كده يحط إيده علي وشه حيتعدي .. ليه المستشفيات مبقاش ضمن Requirements بتاعة البناء بتاعها إن كل مقابض الأبواب تبقي من النحاس؟ .. الله أعلم .. طب أزيدك من الشعر بيت .. فيه دراسة إتنشرت سنة 1983 قالت إن مقابض الأبواب المصنوعة من النحاس مش بيعيش عليها أي بكتريا عكس المقابض المصنوعة من الإستانليس ستيل أو الألمونيوم اللي بتبقي مزرعة جراثيم و بكتريا .. إدوني سبب واحد إن النحاس إختفي من حياتنا بالشكل ده؟

مش بس المستشفيات .. ليه محطات المترو كلها السندات اللي بتبقي متعلقه جنب السلالم متبقاش معموله من النحاس؟ .. تخيل لو ده كان حصل كان فيه كام حالة تفادت إن يجيلها عدوي بفيروس كورونا .. تخيل لو إحنا في بيوتنا كنا لسه بنطبخ في حلل و صواني من النحاس كان كام واحد مننا تفادي العدوي بالفيروس ده؟ .. كل ده عشان إحنا كبشر أو كجيل كامل إتضحك علينا بإن البلاستيك أشيك و إن يااااع إيه الحلل النحاس دي أنا عايزة حلل تيفال .. تخيل لو في الجيمات الكبيرة علي الأقل أي مسند أو معدات جيم معمولة من الألمونيوم أو ستانليس ستيل تتعمل من النحاس بدالها .. تخيل كان كام واحد عيان بدور برد حتي البكتريا اللي عنده حتتقتل قبل ما تعدي أي حد جنبه؟

زمان حياتنا كانت كلها نحاس .. الحلل .. الصواني .. كنكة القهوة .. لمبة الجاز .. يمكن عشان كده جدودنا كانت صحتهم أحسن.

تبقي المشكلة اللي حتسمعها من كل المقاولين هو السعر .. النحاس غالي يا باشمهندس .. ده حتي اللي بيلموا الزبالة ما بيصدقوا إنهم يلاقوه عشان يبيعوه تقوم إنت قايلي لازم مواصفة إستلام المستشفيات و الفنادق و محطات المترو إن السندات و مقابض الأبواب تبقي من النحاس .. إحنا بيوتنا حتتخرب كده .. هنا بقي أنا عايزك تاخد نفس عميق عشان لو إنت مقتنع بالرأي ده إنت حتاخد صدمة عمرك دلوقتي:

  • معلومة رقم واحد .. بناء علي تقرير World Copper Feedback اللي نشر سنة 2019 فإحنا الحمد لله يعني الأرض فيها مخزون نحاس زي الفل و زود علي كده إن النحاس من أكتر المواد اللي ربنا خلقها اللي ينفع يتعملها إعادة تدوير Recycling .. فعلياً إحنا لو قررنا نوفر كل حلل و صواني المطبخ لكل سكان الأرض من النحاس فده مش معناه إن النحاس اللي عندنا حيخلص .. ده مش حقيقي.
  • معلومة رقم إتنين .. إنت لو سألت أي دكتور من صحابك إيه أكتر مادة Antimicrobial يعرفها فغالباً حيقولك الفضة .. دي معلومة مش صح  أوي .. النحاس أفضل بكتير و أرخص من الفضة.
  • الحسبة اللي جايه خلي بالك إتعملت علي أميركا بس إنت تقدر تاخدها و تقربها لينا عشان تستوعب بس الفكرة .. دلوقتي لو إنت بني أدم سليم دخلت مستشفي و إتعديت بسبب HAI فإنت حضرتك علاجك واقف علي البلد بما بين 28,400-33,800 دولار (قول 450,000 جنيه مصري) .. في المتوسط إنك عشان تفرش 10% من مساحة أي مستشفي بالنحاس بدل الألمونيوم فده بيكلف المقاول في المستشفي الواحدة 52,000 دولار (قول 780,000 جنيه مصري) بس ده لوحده حيعقم المستشفي من 14 نوع مختلف من البكتريا و الفيروسات علي مدي السنة .. ده معناه إنك فعلياً لما فرشت المستشفي بتاعتك و مش كلها كمان إنت بس حتستخدم النحاس في المناطق اللي إيد الناس بتلمسها  فإنت فعلياً وفرت يومياً 1,176 دولار (يعني 17,640 جنيه مصري في اليوم) .. النحاس مش بيفقد قدرته علي مكافحة البكتريا و الفيروسات مع الزمن .. المستشفي الواحدة اللي لو إتفرشت بالنحاس حتوفر ملايين في السنة ثمن التعقيم لوحده.

إحنا جيل إتضحك عليه .. جيل إتقاله إن الألمونيوم و الستانليس ستيل و البلاستيك أحلي عشان مش بيصدوا و شكلهم حلو .. إتقالهم إن النحاس عايز تنظيف مستمر و إحنا معندناش وقت .. الست دلوقتي بتشتغل زي الرجل و محدش فاضي كل شوية ياخد صواني و حلل البيت يوديها لواحد مخصوص عشان ينظف النحاس و يشيل من عليه الصدا .. إتقالنا إن البلاستيك ده موديرن و إن النحاس ده موضة جدودنا .. إتقالنا ليه نعمل مواسير المياه بتاعتنا من النحاس لما ممكن نعملها من الحديد أرخص و حتي الأرخص منهم هو البلاستيك .. جيل إتقاله إن أهم حاجة في الهندسة هو التوفير و اللي دلوقتي بقوا بيتكسفوا يقولوها فبقوا يقولوا عليها Value Engineering حتي في صحة الناس .. جيل إتعلم في الكليات ليه نعمل مقابض الأبواب و سندات سراير المستشفيات من النحاس؟ .. الألمونيوم أرخص و بيلمع و بيحسس المريض إنه قاعد في مستشفي نظيفة .. ده حتي لما تعمل ريندر علي 3D Max بيدي شكل لقطة أحلي .. هو إحنا عايزين إيه غير إن اللقطة تعجب الكلاينت و إن لما نيجي نعمل حصر أو BOQ يطلع المبلغ اللي المقاول حيدفعه مش كبير .. أنا كمهندس بقولكوا إن إحنا محتاجين فعلياً نعيد كتابة مناهج الكلية بتاعتنا .. أزمة فيروس كورونا دي لازم تفوقنا .. إحنا لازم نتغير لإننا لو متغيرناش و متعلمناش فإحنا كبشر مينفعش يبقي لينا الحق إننا نشيل رسالة ربنا في الأرض.

المصادر:

مهندس ميكانيكا بحب الصحافه و الكتابه .. مؤمن بان من حق كل بني ادم انه يعرف الحقيقه ورا الخبر .. رسالتي انك تفهم حقيقه اللي بيحصل عشان لما تقرر رايك تكون فاهم انت بتقرر علي اي اساس

اترك تعليق

بريدك الالكتروني لن ينشر. يجب ملئ الخانات بعلامة *

من فضلك ادخل التعليق!

من فضلك ادخل الأسم!

من فضلك ادخل البريد الالكتروني!من فضلك ادخل بريد الكتروني صحيح!