مش عيب إنك في مرحلة من حياتك تقرر تتغير من أسوأ نسخة ليك لصورة أفضل .. مثال علي كده تاريخ الإسلام كله بالمناسبة اللي مليان بشخصيات زي سيدنا (عمر بن الخطاب) و سيدنا (خالد بن الوليد) رضي الله عنهم اللي كانوا من أشد الناس كفراً بس كل واحد فيهم قرر في لحظة إنه يبقي بني أدم أفضل .. بس هي الفكرة إن ولا واحد فيهم قرر إنه ينسي ماضيه .. بالعكس .. هم كان عندهم إعتراف داخلي بإن أيوه أنا إرتكبت حاجات وحشة كتير و الحاجات الوحشة دي هي اللي خلتني الإنسان الأفضل دلوقتي .. والأهم إن محدش عايرهم بتاريخهم ده .. طالما إنت مأنكرتش تاريخك يبقي مش من حقي أعايرك بيه .. الكلام ده يمشي علي البني أدمين ويمشي علي الشعوب .. مش عيب إن الغرب اللي ثروته إتبنت علي ملايين الضحايا من العبيد السمر اللي ماتوا عشان الإنسان الأبيض يعيش يطلع يقول يا جدعان إحنا متؤسفين اللي حصل ده كان غلط .. أو تيجي ألمانيا شوية و حتبوس رجل اليهود يسامحوها علي اللي عملته فيهم في الهولوكوست .. إحساس الذنب حلو مفيش كلام بس اللي يحرق الدم هو التنصل من المسئولية .. إحنا أه غلطانين إننا استعبدنا الناس بس ده مش معناه إن الأمريكان السمر اللي عايشين دلوقتي عندهم أزمة حقيقية في معدلات الثروة بسبب سنين و سنين من العنصرية المؤسسية اللي هم بيسموها Systemic Racism اللي طبيعي و منطقي إنها تحتاج سنين و سنين عشان تتعالج .. أو إن يطلع الأوروبيين و خصوصاً الألمان و السويسريين و الفرنساويين يدونا محاضرات في قبول الأخر و هم لسه لحد دلوقتي محدش فيهم فكر يعتذر عن الجرايم اللي هم عملوها في ملايين السمر اللي خطفوهم من بلادهم عشان يستعبدوهم .. محدش فكر يعتذر عن قرية السمر.
سنة 1896 بيتم إفتتاح قرية السمر Village Noir في قلب العاصمة السويسرية جنيف .. حديقة بني أدمين .. حديقة إتحط فيها 200 بني أدم من السنغال عشان يبقي مزار كأنهم حيوانات لأهل المدينة يشوفوهم .. خلال مدة إفتتاح القريبة تلتين سكان جنيف تقريباً زاروها .. 6 شهور و الجريمة دي معروضة للناس كلها .. 200 بني أدم منهم رجاله و ستات و أطفال عايشين في قفص عشان الإنسان الأبيض يتفرج عليهم و يتصور معاهم .. اللي حصل ده خلق حالة من الجدل جوه المجتمع السويسري وقتها بس يمكن لأسباب مش زي اللي بتدور في دماغك .. يعني أنا متخيل إن فيه منكوا حيتصور إن فيه ناس مكنش عاجبها اللي بيحصل علي أساس إن دول بني أدمين برده ليهم حقوق و مش حيوانات تتحط في أقفاص .. الحقيقة لا .. حقيقة إن السمر دول مش بني أدمين أو علي الأقل مقامهم مش زي مقام الإنسان الأبيض دي محدش كان بيعارضها أو بيشكك فيها .. المشكلة إن فيه مثلاً ناس شافت إن ده بيعتبر دعاية للكنيسة الكاثوليكية و إن دي مجرد بروباجاندا هدفها إن الناس تفتكر دور الدين في المجتمع بعيداً عن بدعة فصل الدين عن الدولة اللي بدأت بعد الثورة الفرنساوية .. ناس تانية كانت ضد فكرة إننا نجيب ناس أفارقة عندنا عشان ده بيعتبر بداية ما يسمي الغزو الأسود Black Invasion و إننا حنصحي الصبح نلاقي نص اللي ماشيين في الشارع سمر و ده إن كان بيدل علي شيء مش بيدل غير علي مده تشكيك الرجاله الغربيين في رجولتهم لدرجة إنهم يا عيني متخيليين إن ستات أوروبا كلها ما حتصدق إنها تحمل من الرجاله الأفارقة .. شيء في منتهي السفه اللي في الدنيا.
فكرة العروض المعمولة للبني أدمين الأفارقة اللي بالنسبة للغرب كان شكلهم غريب و ولنهم غريب و طبيعة جسمهم غريبة فأتعاملوا معاهم أكنهم حيوانات الناس تتفرج عليها بقت منتشرة جداً في أوروبا و يمكن من أشهرهم كان عرض مخصوص بيتعمل في بريطانيا لست من جنوب أفريقيا اسمها (سارة بارتمان Sarah Baartman) كانت بحكم إنها أفريقية فمؤخرتها كانت كبيرة شوية اللي هو تقدر تقول عليها النسخة بتاعة القرن ال19 من (كيم كارداشيان) و العرض بتاعها كان بيتسمي Hottenton Venus .. علي فكرة أول مرة حاجة زي دي تتعرض كانت في باريس سنه 1877 لما تم عرض ناس من النوبة .. شوية و العروض دي بقت منتشرة في لندن و باريس و أوسلو اللي هي عاصمة النرويج و حتي مدينة هامبورج الألمانية .. يكفي إني أقولك إن سنة 1906 فيه شاب كونجولي إتحط في جبلاية القرود في حديقة حيوان برونكس في مدينة نيويورك الأميريكية كنوع من التسالي لزوار حديقة الحيوان .. تاني .. كل ده مش قضيتي .. عادي إن شعوب تغلط زي ما فيه بني أدمين بتغلط و بنعتذر و بنوعد إن الغلط ده مش حيتكرر و الدنيا بتمشي .. المشكلة إن الإخوة السويسريين شالوا كل أثر لجريمتهم دي .. يا مؤمن ده في السجلات بتاعتهم سموا القرية دي المعرض الأبيض White Exhibition أو Village Suisse و حتي لما تيجي تتكلم معاهم يقولك حاول تبصلها علي إن وقتها أكنهم كانوا بيصوروا فيلم وثائقي من بتوع ناشيونال جيوجرافيك .. هو منطق غريب أنا عارف بس ده اللي كان الغرب بيقوله لنفسه .. بس كل ده كوم و اللي عملته بلجيكا ده كوم تاني خالص.
سنة 1958 العالم كان إتغير خالص .. الحرب العالمية الثانية خلصت .. بقي واضح إن المستقبل هو الصراع الثنائي بين أميركا و الإتحاد السوفيتي .. بريطانيا و فرنسا خسروا كل مستعمراتهم تقريباً في العالم و أخرها كانت فضيحة العدوان الثلاثي علي مصر .. وسط كل التغيير ده فضلت بلجيكا زي الخازوق ماسكه في الماضي بإيديها و سنانها و حالفة مية يمين إنها مش حتتغير .. في السنة دي إحتفلت بلجيكا بما يسمي المعرض الدولي World Fair اللي تقدر تقول عليها النسخة السيتيناتي من معرض Expo .. معرض استمر 200 يوم لعرض ماضي و حاضر و مستقبل الأمة البلجيكية و وسط فعاليات المعرض ده إتعملت أخر Human Zoo أو حديقة حيوان مخصصة لعرض البني أدمين الأفارقة اللي جايين من البلد اللي إنت عارفها دلوقتي باسم الكونجو الديموقراطية .. إنت بتتكلم عن 273 رجل و 128 إمراة و 197 طفل بإجمالي 183 عيلة .. في الوقت ده كانت لسه بلجيكا محتلة الكونجو و دي كانت حاجة البلجيك شايفنها إنجاز تاريخي ليهم لإن إزاي بلد المفروض إنها صغيرة بس قدرت تحتل بلد أكبر منها في المساحة 80 مرة .. الكونجو كانت بتمثل إنتصار للعقلية البلجيكية المريضة نفسياً لدرجة إن في المعرض إتخصصت حتة أرض علي مساحة 8 فدان في العاصمة البلجيكية بروكسل عشان يتبني فيها نموذج مصغر من منجم من المناجم الكتير المنتشرة في الكونجو بحيث الحتة دي من المعرض اتسمت كونجوراما Kongorama اللي هي ميكس كلمة كونجو و كلمة بانوراما و اللي كان من ضمن المعروض فيها قرية كاملة عايش فيها رجالة و ستات و أطفال عشان الإنسان الأبيض يتفرج عليهم و يفكر نفسه بحجم الإنجاز اللي حققته بلجيكا إنها استعمرت بلد تانية .. بلد سنة 1897 الملك بتاعها (ليوبولد الثاني) خطف 267 بني أدم من الكونجو للعاصمة البلجيكية بروكسل عشان يتعرضوا لزوار القصر الملكي .. لك أن تتخيل إن 1.3 مليون بلجيكي من أصل 4 مليون عايشين في العاصمة زاروا الأفارقة المخطوفين دول .. جري الشريط سنتين و في يونيو 1960 الكونجو كانت استقلت عن بلجيكا.
المصادر:
- مقالة بعنوان Dehumanization, animalization: Inside the terrible world of Swiss human zoos نشرت في موقع Phys.org وده لينك المقالة الأصلية:
https://phys.org/news/2023-06-dehumanization-animalization-terrible-world-swiss.html - مقالة بعنوان Belgium comes to terms with ‘human zoos’ of its colonial past نشرت في جريدة The Guardian و ده لينك المقالة الأصلية:
https://www.theguardian.com/world/2018/apr/16/belgium-comes-to-terms-with-human-zoos-of-its-colonial-past
