سنة 1992 الأمريكان كانوا عاملين زي واحد حالق دقنه و طالعله ملامح سكس باكس و واقف قدام المراية معجب بنفسه أوي و مقتنع بإن مفيش بنت ممكن تقاوم جماله .. الإحساس ده جه للأمريكان لما بدأوا ينفذوا عملية عسكرية إسمها عملية إعادة الأمل Operation Restore Hope عشان ينقذوا الصومال من المجاعة .. مهم تكون فاهم حجم المأساة و إزاي إن دور الأمريكان أنقذ حياة ناس كتير و ده عطي ليهم إحساس زي ما قلتلك يا أرض إتهدي ما عليكي قدي .. بناء علي تقارير الأمم المتحدة فالعملية دي أنقذت حياة أكتر من 250,000 بني أدم عن طريق إنهم وفروا أكل و شرب للصوماليين اللي فعلاً كانوا بيموتوا من الجوع.
في أي حرب في الدنيا بيبقي فيه سلاح بيقدر به الطرف الأقوي إنه يلوي به دراع الطرف الأضعف .. في الصومال السلاح ده كان الجوع .. من أول ما الأمريكان بدأوا يبعتوا قوات حفظ سلام عشان توزع أكل و شرب و أدوية و كل أمراء الحرب اللي إنت تقدر تسميهم فتوات الصومال حاسين إن البساط بيتسحب من تحت رجليهم .. فكر فيها من وجهة نظرهم و إنت تفهم .. أنا رجل غني من قبيلة قوية و معايا رجاله شايلين سلاح حلمي إني أحكم الصومال .. الناس بتسمع كلامي لإن بفلوسي و سلاحي أقدر أجيب أكل أوزعه علي الناس اللي حترضي إني أحكمهم و اللي مش حيرضي يا حيموت من الجوع يا حيموت من رصاص رجالتي .. يقوم الأمريكان جايين يوزعوا أكل و لا كأنهم عاملين مائدة رحمن في رمضان .. طب ساعتها أنا ححكم إزاي؟
أكتر أمير حرب أو Warlord أو زي ما أنا قلتلك فتوة كان قارف عيشة الأمريكان و الصوماليين الحقيقة كان بني أدم وسخ إسمه (محمد فرح عيديد) .. تقدر تقول إن الأمريكان كانوا عايزينه حي أو ميت .. بالنسبة ليهم كان هو (أسامة بن لادن) قبل ما (أسامة بن لادن) يفكر يعمل تنظيم القاعدة .. يوم 3 أكتوبر 1993 إتنظمت عملية عسكرية في قلب العاصمة الصومالية مقديشيو عشان الأمريكان يقبضوا علي إتنين من أهم حلفاء (محمد فرح عيديد) السياسيين قال يعني كده هم بيضعفوا مركزه في البلد .. تخيل كده إن الأمريكان مثلاً عايزين يقبضوا علي إتنين في بيت جوه إمبابه .. بالمنطق و بالعقل اللي بيفكر فيه الأمريكان ده ينفع في لعبة Video Game أو فيلم بس عمره ما حينفع في الحقيقة بس زي ما قلتلك إحساس أنا جامد زحليقة اللي كان لاحس مخهم من بعد ما Operation Restore Hope نجحت خلاهم يتخيلوا إنهم Captain America بحق و حقيقي.
الحقيقة إن الخطة اللي الأمريكان رسموها عشان عملية الإعتقال دي تتعمل تخليك تحس إنها متخرش المياه بس لما بدأت تتنفذ كانت عبارة عن كارثة حقيقية:
- الخطة بمنتهي البساطة إن طيارات هيلكوبتر حتنزل عناصر من القوات الخاصة Navy SEALs و Delta Force عشان هم اللي حيتولوا إقتحام المبني اللي من 3 أدوار اللي فيه الإتنين اللي الأمريكان عايزين يقبضوا عليهم.
- بالطيارات الهليكوبتر برده حيتم إنزال قوات من وحدة الخيالة Rangers عشان تحاوط المبني من 4 جهات و تأمنه بالكامل لحد ما عناصر القوات الخاصة يخلصوا و يطلعوا.
- الإنسحاب حيتم عن طريق موكب من العربيات المدرعة و العربيات الهامفي Humvee عشان تاخد القوات الأميريكية ومعاهم الأسري لحد ما تطلع بره العاصمة مقديشيو.
إنت بتتكلم عن عملية شاكب راكب متكونة من 19 طيارة و 12 عربية و تقريباً 160 عسكري .. بمجرد ما العملية بدأت و المصايب بترف فوق دماغ الأمريكان .. بسم الله الرحمن الرحيم كده الصوماليين عرفوا إن الأمريكان جايين من قبل ما يدخلوا مقديشيو فعلاً و ده عطاهم فرصة إنهم يحطوا حواجز في الطرق خلت موكب العربيات المدرعة يفضل يلف حول نفسه لحد ما يوصل للبيت وده كلفهم وقت كتير أغلي من إنه يضيع .. طيارة هليكوبتر من ضمن الأربع طيارات اللي نزلت الأربع فرق Rangers اللي كان دورهم إنهم يحاوطوا البيت من أربع إتجاهات إتعرضت لضرب نار خلاها تنزل العساكر الأمريكان في حتة أبعد من اللي كانوا المفروض ينزلوا فيها و بالتالي بقت فيه فجوة قدر مسلحين صوماليين يستغلوها ..فوق ده كله فيه عسكري من قوات Rangers وهو بينزل بالحبل من طيارته الهليكوبتر وقع و مات و مجرد مجهود إن زمايله يطلعوه علي شيالة لعربية مدرعة تاخده بعيد عن المدينة عقد الدنيا أوي.
المصيبة الكبيرة فعلاً كانت إسقاط طيارتين هليكوبتر Black Hawk بصاروخين RBG .. صواريخ RBG علي فكرة مش بتضرب رأسي .. اللي حصل إن فيه إتنين صوماليين محدش عارف هم مين كل واحد فيهم طلع فوق سطوح عمارته وضرب صاروخ علي طيارة هليكوبتر و وقعها .. فجأة ال90 مقاتل سواء من Rangers أو من القوات الخاصة لقوا نفسهم في معركة إستمرت أكثر من 18 ساعة في شوارع مقديشيو مات فيها 18 عسكري أمريكاني و عدد مش معلوم بيتقدر بالمئات من الصوماليين .. ده الجزء اللي كتير مننا عارفه بإنه شافه في فيلم Black Hawk Down اللي أخرجه (ريدلي سكوت Ridley Scott) .. اللي إنت متعرفوش هو اللي حصل بعد كده.
الإعلام الأمريكي لإنه عامل زي الست النكدية اللي عايزه جنازة تشبع فيها لطم مبقاش يذيع حاجة عن معركة مقديشيو دي إلا صور و فيديوهات الصوماليين وهم بيمثلوا بجثث العساكر الأمريكان اللي ماتوا في المعركة .. و لإني دايماً بحب أبص للأمور من وجهة نظر أصحابها فحاول تتخيل نفسك مكان مواطن أمريكاني إبنك بيخدم في الجيش و شفت CNN عماله تذيع في فيديوهات لجثث عساكر أمريكان بيتمثل بيهم في شوارع مقديشيو .. كل اللي إنت بتفكر فيه مش هو العسكري ده كان بيعمل إيه هناك؟ أو إزاي ده حصل؟ و هو مات إزاي؟ و لا إيه هي التضحيات اللي قدمها هو و زمايله؟ .. كل اللي إنت بتفكر فيه إن أنا إبني كان ممكن يبقي مكانه .. من هنا بيجي الغضب و الغضب في مجتمع غربي زي المجتمع الأمريكاني أو الأوروبي بيترجم لضغط سياسي رهيب أجبر الرئيس الأميريكي وقتها (بيل كلينتون Bill Clinton) إنه يقرر إنسحاب القوات الأميريكية من الصومال يوم 31 مارس 1994 .. وقتها (بيل كلينتون) كان رئيس جديد مكنش عايز يبان قدام شعبه إنه منشف دماغه ومش فارق معاه أرواح جنوده .. هو حسبها حسبة سياسية بإنه لو نشف دماغه فده حيكلفه في الإنتخابات الجاية بس قراره ده كلف الصومال كتير أوي الحقيقة.
بالنسبة للصوماليين قرار إنسحاب أميركا كان كارثة .. الحرب الأهلية ولعت .. (محمد فرح عيديد) نفسه إتقتل سنة 1996 .. سنين بتعدي من الفوضي و الجوع .. مأساة بدأت بBlack Hawk Down ومشيت لCaptain Philips .. فجأة سمعة الصومال بقت إنها بلد فيها ناس معاها سلاح بتخطف السفن عشان ياخدوا فلوس .. إنسحاب أميركا من الصومال بدأ كمناورة سياسية من (بيل كلينتون) بس إتحول لسياسة من خرج من داره إتقل مقداره .. الأمريكان متحركوش لما حصلت الحرب الأهلية في رواندا سنة 1994 و اللي مات فيها أكتر من مليون بني أدم من قبائل التوتسي علي إيد قبيله الهوتو .. نفس السيناريو إتكرر سنة 1995 لما برده الأمريكان متدخلوش إلا بعد فوات الأوان في حرب البوسنة و الهارسك و اللي كانت إبادة جماعية للمسلمين علي إيد الصرب .. بداية إن الأمريكان يصحوا كانت لما إتضربوا بالقلم الجامد علي وشهم يوم 11 سبتمبر 2001.
الغريب إن الأمريكان بداية من 2001 لحد دلوقتي و إحتلالهم للعراق و أفغانستان و بقي ليهم وجود عسكري في كل حتة في العالم إلا إن فضلت الصومال زي ما تقول كده الإيكس اللي مش عايزين حتي يعدوا من الشارع اللي هي ساكنه فيه .. خلال الأربع فترات رئاسية إتنين بتوع (جورج بوش الإبن) و إتنين بتوع (باراك أوباما) الأمريكان مكنش ليهم أي وجود عسكري علي الأرض في الصومال .. وجودهم العسكري تمثل في إنهم نفذوا 18 غارة جوية سواء بطيارات بدون طيار Drones أو بطيارات مقاتلة عادية فوق أهداف إتصنفت بإنها إرهابية .. بس الوضع في الصومال بدأ يتغير من حوالي سنتين و الحقيقة إن اللي حصل في الصومال خلال الفترة دي مش قليل و محتاج إننا نتكلم عنه.
بالأرقام فيه بلاوي بتحصل .. أنا قلتلك إن خلال 16 سنة اللي هم 8 سنين بتوع (جورج بوش الإبن) و ال8 سنين بتوع (أوباما) الأمريكان نفذوا 18 غارة جوية فوق الصومال .. في أول سنتين بس من حكم كيس الشيتوس الحجم العائلي (دونالد ترامب) عدد الغارات الجوية نط ل63 .. عدد القوات الأميريكية علي الأرض في الصومال نط ل500 عسكري .. مش كده وبس .. الأمريكان مات ليهم عساكر في الصومال خلال السنتين دول .. في مايو 2017 إتقتل ضابط كبير في وحدة Navy SEALs إسمه (كايل ميلكين Kyle Miliken) وهو بيساعد في عملية إقتحام لبيت نفذته قوات أمن صومالية علي بعد 20 كيلومتر من العاصمة مقديشيو .. في يونيو 2018 رقيب في القوات البرية إسمه (أليكساندر كونراد Alexander Conrad) إتقتل و إتصاب 4 زمايله في عملية تمشيط في منطقة إسمها جوبالاند Jubaland جنوب الصومال .. كل ده بيخليني أسأل هو فيه إيه؟
الحقيقة إن السؤال ده مهم جداً خصوصا لما تعرف إن الصومال دلوقتي غير الصومال سنة 1993 .. الصومال دلوقتي مفيهاش مجاعة .. العشش اللي معموله من الألمونيوم إتشالت وبقت بيوت من الأسمنت .. الصومال بقي فيها طرق و مدارس و حكومة و صرف صحي .. حتي مطار مقديشيو رجعت له الحياة تاني و كل يوم فيه رحلة تابعة للخطوط الجوية التركية بتنزل فيه .. الإختلاف ده حتي لاحظه الأمريكان نفسهم .. قائد القوات الأميريكية في الصومال هو لواء أركان حرب أو Brg. Gen. إسمه (ميجيل كاستيلانوس Miguel Castellanos) سنة 1992 كان بيخدم في الصومال في الفرقة العاشرة مدرعات و لما رجع الصومال بعد السنين دي كلها إستغرب أوي إن مقديشيو نفسها إتغيرت .. الفكرة إن التغيير ده الأمريكان مكنش ليهم أي دخل به و دلوقتي جايين يخطفوه.
سنة 2007 إتعمل تحالف إسمه African Union Mission to Somalia أو مهمة الإتحاد الأفريقي للصومال و إختصاراً بيتسمي AMISOM و التحالف ده بيضم جيران الصومال .. الدول دي إتفقت مع بعضها إن أهم مشكلة بتواجه الصومال هي جماعة شباب المجاهدين و دي إنت تقدر تسميها النسخة الصومالية من تنظيم القاعدة .. التحالف ده شكل قوة عسكرية أغلبها من أوغندا و معاها كينيا و أثيوبيا و بوروندي و جيبوتي و سييراليون و بدأوا عملية عسكرية كبيرة أوي لطرد جماعة شباب المجاهدين بره مقديشيو .. الأمريكان من ناحيتهم وفروا فلوس و أسلحة .. المدينة اللي بتحرر من إيد التنظيم ده هوبا تلاقي الشركات الإماراتية و التركية جريت عليها عشان تبدأ تنفذ فيها مشاريع إما سياحية أو تجارية .. واحدة واحدة بدأت مدن الصومال تفوق.
اللي فاضل فعلاً هي المناطق النائية اللي لسه لحد دلوقتي بتحكمها الفوضي .. تلاقي حد فتوة معاه شوية ناس بسلاح و قالك الحتة دي بتاعتي و الناس اللي عايشة في الحتة دي مجبرين إنهم يحاربوا عشانه لو طلب .. حالياً فيه خناقة كبيرة أوي جوه الصومال .. علي إيدك اليمين الأجانب .. سواء بقي بتتكلم عن الدول الأفريقية جيران الصومال اللي لحد دلوقتي ليهم وجود عسكري علي الأرض أو بتتكلم عن الأمريكان أو بتتكلم عن الشركات الأجنبية سواء التركية أو الإماراتية .. علي إيدك الشمال حتلاقي شباب المجاهدين اللي بيسيطروا زي ما قلتلك علي المناطق النائية .. الصراع بين الإتنين هو مين يقدر يثبت للمواطن الصومالي إنه بيخاف علي مصالحه أكتر؟ .. مين بيعرف يلم الزبالة؟ .. مين بيعرف يوفر أمن و طرق و مواصلات و تعليم وصحة؟ .. بمعني أخر دي حرب علي مين بيعرف يبان قدام الناس علي إنه بيعرف يحكم .. المشكلة إن الأمريكان عاملين زي صاحبك العصبي اللي مبيفهمش حاجة غير إن لو حد بصله بصة وحشة يتعارك معاه.
كل اللي الأمريكان بيعملوه إنهم كل فترة يطلعوا طيارة بدون طيار عشان تضرب صاروخ علي واحد من قادة تنظيم شباب المجاهدين .. ده كل اللي هم بيعملوه .. الأمريكان هم قريبك اللي في أي عزومة تلاقيه مبيعملش حاجة غير إنه بيحاول يصطاد الدبان بالجرنان .. لا بيساعد في عمايل الأكل ولا بيروق الطرابيزة ولا بيخلي باله من العيال الصغيرة .. هو جاي بس عشان يصطاد دبان .. في رأي واحد زي لواء أركان حرب (دون بولدوتش Don Bolduc) اللي لحد السنة اللي فاتت كان قائد قيادة القوات الخاصة في أفريقيا فالكلام ده هراء .. إنت اه بتصحي الصبح علي خبر إن القيادي الفلاني من شباب المجاهدين إتقتل بس يا فرحتي .. ما هو حيتقتل حيجي غيره .. مفيش أي حد بيفهم موافق علي سياسة الإغتيالات اللي الأمريكان ماشيين بيها في الصومال دي و مُصرين علي إن الطريق الصح هو إن أميركا تحط فلوس كإستثمارات في البنية التحتية و في المشاريع اللي ممكن تخلي الإقتصاد الصومالي يقف علي رجله.
علي الناحية الثانية المؤسسة العسكرية الأمريكية بتقول لا إستنوا ثانية واحدة .. انتوا قلتوا قبل كده لما دخلنا أفغانستان بلاش سياسة أم الإغتيالات و حطوا فلوس كزفت إستثمارات في البلد و أدينا لبسنا في الحيط .. إحنا جربنا طريقتكوا مرة و المرة دي حتجربوا طريقتنا .. بس في نفس الوقت فيه إختلافات كبيرة بين الوضع في أفغانستان و الوضع في الصومال .. مبدأياً كده خد الرئيس .. الصومال بيحكمها رجل إسمه (محمد عبدالحي محمد) وده رجل جه بإنتخابات حرة يعني الشعب هو اللي إختاره .. في أفغانستان الأمريكان هم اللي عينوا (حامد كرزاي) وده رجل ذمته واسعة شويتين و طلع حرامي و خلي الأفغان يكرهوا الأمريكان و يقولوا ولا يوم من أيامك يا طالبان .. نقطة تانية وهي إن تأثير حركة شباب المجاهدين علي الأرض مبقاش زي الأول .. زمان كلمة حي علي الجهاد دي لما بتتقال كان بيبقي يوم أسود علي الأمريكان .. دلوقتي ولا الهوا .. مشاكل الصومال دلوقتي أغلبها إقتصادية و حل المشاكل دي مش حيكلف الأمريكان حاجة جنب الترليون دولار اللي هم صرفوهم سواء في العراق أو في أفغانستان.
المصدر:
مقالة بعنوان The legacy of Black Hawk Down .. نشرت في مجلة The Smithsonian Magazine وده لينك المقالة الأصلية:
https://www.smithsonianmag.com/history/legacy-black-hawk-down-180971000/
