الحروب طول عمرها زيها زي أي سلعة في الدنيا محتاجة اللي يسوقلها .. الماركيتينج مهم في الحروب .. في تاريخنا مثلاً حتلاقي إن عشان الرئيس (جمال عبدالناصر) الله يرحمه يبعت قوات لليمن باع لينا فكرة إن القوات دي رايحة عشان تحمي القومية العربية .. عشان الرئيس (محمد حسني مبارك) يبعت قوات للكويت وقت حرب الخليج الثانية هو باع لينا فكرة إن القوات دي رايحة تنفذ كلام ربنا في سورة الحجرات لما قال “و إن طائفتان من المؤمنين إقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و أقسطوا إن الله يحب المقسطين” .. طبعاً هم نسوا يكملوا إن الأية القرأنية دي كانت موجهة لينا كمسلمين مش موجهة للأمريكان بس ما علينا مش قضيتنا دلوقتي .. اللي أنا عايز أقوله إن عشان تبعت رجالتك يموتوا في أي حرب لازم تبيع الحرب دي لشعبك ولازم تبيعها صح عشان يقتنع .. اللي أنا عايز أتكلم عنه النهاردة هو إزاي مؤسسة الرئاسة الأميريكية بتبيع لشعبها حرب أوكرانيا .. بمعني أخر .. إيه اللي يخليني أنا كمواطن أميريكي بسيط أقبل إن فلوس الضرائب بتاعتي تتصرف في السلاح اللي بيروح أوكرانيا؟
يمكن عشان المواطن الأمريكاني البسيط مش مثقف بطبعه أو يمكن عشان الأمريكان مش شاغلين دماغهم أوي باللي بيحصل في الدنيا طالما أكلهم و شربهم و بنزينهم و خمرتهم مكفياهم فحتلاقي إن المبرر ورا مشاركة أميركا في أي حرب هو هو مبيتغيرش أيا كانت الحرب دي فين و ضد مين .. الماركتينيج دايما بيبقي واحد سواء هم باعتين عساكرهم فييتنام أو العراق أو ليبيا أو سوريا أو أفغانستان و دلوقتي أوكرانيا وهو إن دي حرب علي الديموقراطية و الحرية و حقوق الإنسان و بناء عليه ده إعتداء واضح و صريح علي القيم الأميريكية .. طبعاً بعد شوية كلنا بنكتشف إن كل ده طلع فنكوش و غالباً بيطلع الناس اللي الأمريكان رايحين يحاربوا معاهم ولاد كلب أكتر من الناس اللي الأمريكان رايحين يحاربوا ضدهم و ده اللي بيخلي الغزو الروسي لأوكرانيا حالة خاصة شوية تستحق إننا نقف قدامها و نتكلم عنها بشوية هدوء لإن فيه كلام كتير علي إن الرئيس الأوكراني (فلوديمير زيلينسكي Volodymyr Zelenskyy) واحدة واحدة بقي بيقلب علي النسخة الأوكراني من (صدام حسين) الله يرحمه لإنه مثلاً طلع قرار بحل 11 حزب سياسي و شوف يا أخي سبحان الله يعني كلها أحزاب شايفة إن يمكن مصحلة أوكرانيا كانت ولازالت إنها تقرب من روسيا مش من الغرب.
خلينا نتفق إن الغزو الروسي نفسه لأوكرانيا غلط و جريمة حرب و مكنش ينفع يحصل .. بس في نفس الوقت لازم برده نتفق إن الغزو ده عمره ما كان حصل لولا الاستفزاز الغربي لروسيا بإنهم عرضوا فكرة إن ليه لا أوكرانيا تنضم لحلف شمال الأطلسي اللي إنت عارفه باسم نايتو NATO و قبليها إن الغرب شارك في الإنقلاب السلمي اللي حصل في أوكرانيا سنة 2014 لما تمت الإطاحة بالرئيس الأوكراني المنتخب (فيكتور يانكوفيتش Viktor Yanukovych) اللي كان من الناس اللي بتحب تمسك العصاية من النص .. هو مستعد إن بلده يبقي ليها بيزنس مع الإتحاد الأوروبي بس ده مش معناه إن بلده تطلب الطلاق من روسيا .. بمعني أخر .. الحرب دي مش حتخلص إلا بعد إتفاق سلمي يقول نصاً إن أوكرانيا مش حتنضم لحلف شمال الأطلسي و الأهم إن الأوكرانيين من أصول روسية اللي عايشين في شرق البلد يبقي ليهم حق الحكم الذاتي .. غير كده نزيف الدم و الفلوس مش حيخلص و الروس مش حيسكتوا غير و أوكرانيا دي عبارة عن كوم تراب .. علي الناحية الثانية الأمريكان باصين للحرب دي بطريقة مختلفة شوية .. الأمريكان عايزين حاجتين ملهمش ثالث:
- إن قطاع شركات التسليح أو ما يسمي Military Industrial Complex يعمل فلوس حلوة من السلاح اللي بيروح لأوكرانيا و ده شيء متفق عليه من قطبي السياسة الأميريكية اللي هم الحزبين الديموقراطي اللي بينتمي ليه الرئيس جدو (جو بايدن Joe Biden) و الحزب الجمهوري اللي بيسيطر علي البرلمان تحت زعامة (ميتش ماكونيل Mitch McConnell) اللي بنفسه إعترف إن سياسة إرسال سلاح لأوكرانيا بالنسبة لأميركا هي حل أرخص و أفضل بكتير من إرسال قوات برية .. طب إنتوا ناويين تصرفوا كام؟ قالك 150 مليار دولار .. اللي هو عايز تقولهم يا لهوي و كده أرخصلكوا؟ .. السلاح اللي بيروح أوكرانيا ده المفروض إنه سلاح كان محطوط عشان خاطر القوات المسلحة الأميريكية تستخدمه فلما إنت تبعته أوكرانيا و تقوم ضاخخ فلوس في قطاع شركات التسليح عشان تعوض السلاح اللي راح ده بسلاح جديد في إيد العساكر الأمريكان يبقي الشركات حتستفيد و القوات المسلحة الأميريكية حتستفيد.
- طول ما الحرب دي مكملة فروسيا بتنزف فلوس ولإن أميركا أغني من روسيا فمع كل يوم الحرب دي بتكمل إنهيار الإقتصاد الروسي بيقرب أكتر .. بمعني أخر .. تولع أوكرانيا باللي فيها .. متنساش كمان إن الطريقة دي مقصودة عشان الأمريكان يقولوا للصين ده حيبقي مصيركوا لو قررتوا تقربوا من تايوان .. الأمريكان قاصدين يبقوا زي شخصية (جابر الشرقاوي) اللي قدمها الفنان (سامي سرحان) الله يرحمه في فيلم فول الصين العظيم و هم بيشاوروا علي روسيا و بيقولوا للصينيين متبقوش عبط زي الناس دي .. أنتوا مش حمل إنكوا تعيشوا في عزلة إقتصادية و إنكوا تخسروا نص الإحتياطي النقدي الأجنبي بتاعكوا في سنة.
في نفس الوقت إنت في الماركيتينج بتتعلم إن أول ما الزبون يفوق و يفهم إن البضاعة بايظة فإنت مينفعش تكمل دعاية خلاص لإن ده حيضر سمعتك في السوق .. بمجرد ما الناس تفهم إن الحرب فنكوش بتلاقي إن الإعلام الأميريكي من نفسه بدأ يبطل يتكلم عنها لحد ما الناس تنسي إن ليها عساكر هناك أصلاً .. ده اللي حصل في العراق و أفغانستان لإن فيه أمريكان كتير إتصدموا لما شافوا قواتهم و هي بتنسحب من العاصمة كابول بعد سيطرة طالبان عليها مش لإن طالبان سيطرت علي العاصمة .. لا خالص .. الصدمة جت إن الأمريكان مكانوش عارفين أصلاً إن ليهم عساكر لسه في أفغانستان .. اللي بيحصل دلوقتي إن الكلام علي أوكرانيا حيبدأ يقل عشان يحل محله موضوع جديد .. الصين .. إنهيار روسيا من وجهة نظر الأمريكان بقي مسألة وقت مش أكتر طول ما الحرب مكملة فده بيخليهم يحضروا نفسهم للسبوبة الجديدة و المرة دي حتبقي سبوبة كبيرة حتجيبلهم قرشين حلوين أوي.
عندنا في مصر بقينا بنتريق علي كلمة عقلية Mentality اللي هو منك لله يا (محمد صلاح) بس الحق يتقال إن Mentality بتاعة الأمريكان بقي بيحركها الإنفاق العسكري .. الناس دي من سنة 1945 و دي السنة اللي خلصت فيها الحرب العالمية الثانية و هم بيصرفوا سنوياً 45-90% من ميزانيتهم علي الإنفاق العسكري بشكل أو بأخر .. الإمبراطورية البريطانية قامت علي أسطول جامد تنين بيربط مستعمرات الإمبراطورية ببعضها .. الإمبراطورية الأميريكية قائمة علي قوات مسلحة جاحدة تقدر تمد إيدها علي أي حد بحيث إن تهون أي حاجة قصاد الإنفاق العسكري .. كنا إتكلمنا قبل كده عن أزمة سقف الديون بتاعتهم و قلنا إن الحاجة الوحيدة اللي الجمهوريين و الديموقراطيين إتفقوا عليها إن إحنا ممكن نتقشف في أي مصاريف إلا الإنفاق العسكري .. مش مشكلة التأمين الصحي و مش مشكلة البنية التحتية .. المهم العساكر .. مش مهم إن المواطنين ميلاقوش أكل و مش مهم إن الديون تبقي متلتلة علينا .. المهم الجيش .. المشكلة إن الناس دي مقتنعة بحق و حقيقي باللي هم بيعملوه .. تاني .. الأمريكان مقتنعين بإن الإقتصاد الروسي حينهار و إن العزلة الإقتصادية اللي فيها روسيا دلوقتي حتمسح بكرامة الروبيل اللي هو عملة روسيا الأرض و رغم كده تيجي تبص علي معدلات التضخم بتاعة أميركا تلاقيها أعلي من اللي في روسيا اللي هو لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله.
التاريخ مش بيعيد نفسه إحنا اللي أغبياء .. سنة 1989 لما الإتحاد السوفيتي إنهار وقتها الرئيس السوفيتي (ميخائيل جورباتشوف Mikhail Gorbachev) جاله وعد من وزير الخارجية الأميريكي (جيمس بايكر James Baker) ومن وزير خارجية ألمانيا الغربية (ديتيريش جينشير Dietrich Genscher) إن و الإنجيل حلف شمال الأطلسي مش حيتوسع بره حدود ألمانيا الموحدة و إن الدول اللي كانت زمان جزء من الإمبراطورية السوفيتية حتفضل تحت نفوذ روسيا .. وقتها الناس صدقت إن خلاص كده يا جدعان مبقاش فيه داعي إن القوتين العظمتين الكبار في العالم يصرفوا مليارات علي إنفاقهم العسكري .. أميركا و روسيا حيعيشوا في تبات و نبات .. بس محدش كان عامل حساب Military Industrial Complex .. الناس دي فضلت تفرك و تضغط و تزن عشان دلوقتي حلف شمال الأطلسي يضم دول زي بولندا و المجر و جمهورية التشيك و بلغاريا و أستونيا و لاتفيا و ليثوانيا و رومانيا و سلوفاكيا و سلوفينيا و ألبانيا و كرواتيا و مونتينيجرو و شمال مقدونيا اللي هي دول كانت يا إما جزء من الإتحاد السوفيتي يا تحت نفوذه .. الحرب بيزنس و لإنه بيزنس فلازم يتعمله ماركتينج و في الأخر إحنا اللي بندفع الثمن.
المصدر:
- مقالة بعنوان They lied about Afghanistan, They lied about Iraq. Now they’re lying about Ukraine. نشرت في موقع Salon و ده لينك المقالة الأصلية:
https://www.salon.com/2023/07/08/they-lied-about-afghanistan-they-lied-about-iraq-now-theyre-lying-about-ukraine/