(هارون الرشيد) .. إتقي شر الهادي لما أعصابه فلتت.

إمشي في الشارع إسال الناس هو أنتوا تعرفوا إيه عن (هارون الرشيد)؟ حتلاقي إن فيه شبه إجماع إن ده كان رجل زي الفل و مية مية و ياريت يحكمنا حد زيه .. تيجي تسألهم طب هو كان خليفة أموي ولا عباسي؟ ممكن مش كتير اللي حيعرفوا .. هو كان رجل كويس و خلاص .. مبدأياً انا مش جاي النهاردة أصدمك و أقولك إنه كان بني ادم مش كويس او كان سفاح او كان قتال قتلة .. ده مش ده هدفي أصلاً .. انا عايزك تطلع من المقالة دي بإنك تبقي مقتنع بأن البني ادمين أعقد سيكا من إنك تختزل حياتهم في إنك تقول علي واحد إنه كان حلو ولا وحش .. البشر مش صينية مكرونة بالبشاميل عملتها مراتك .. يحكي أن الممثل الرائع (ال باتشينو Al Paccino) عمل انترفيو حلو أوي بس قديم شوية مع المذيعة المحترمة أوي (باربرا والترز Barbara Walters) وفي الأنترفيو ده هو قال جملة عجبتني الصراحة و يمكن هي اللي بتعبر عن حياة (هارون الرشيد) زي ما حنشوف دلوقتي .. معدن البني ادم الحقيقي هو أحسن شوية وفي نفس الوقت أسوأ شوية من السمعة المتاخدة عنه.

بداية انك تفهم (هارون الرشيد) إنك تفهم الوعد اللي إتبنت عليه الخلافة العباسية:

العباسيين لما جم قالوا للناس إحنا مش حنبقي زي الأمويين .. مش فاهم أنا عارف .. كان يا مكان كان فيه الخلفاء الراشدين الأربعة اللي اخرهم كان سيدنا (علي بن أبي طالب) رضي الله عنه .. بعد أغتياله إتعمل إتفاق بين ابنه الكبير سيدنا (الحسن) وبين سيدنا (معاوية بن أبي سفيان) رضي الله عنهما بإن أحكم إنت يا (معاوية) ولما ربنا يفتكرك بعد عمر طويل إن شاء الله نعمل مبايعة جديدة بين المسلمين .. مات سيدنا (الحسن) .. و قبل ما سيدنا (معاوية) يموت أعلن إن إبنه (يزيد) ولي عهده وبكده زي ما تقول الإتفاق بينه وبين سيدنا (الحسن) إتلغي و من هنا و رايح و إنتقال السلطة مش حيبقي بالمبايعة إنما حيبقي بالوراثة .. و الأهم إن إتولدت الخلافة الأموية .. زيها زي أي دولة في التاريخ بتمر بفترة قوة وبعد كده بتيجي فترة إضمحلال و ضعف .. دي سنة الحياة زي ما قال ربنا وتلك الأيام نداولها بين الناس .. سقوط الأمويين كان في يناير 750 في وقعة الزاب علي إيد ناس إسمهم الهاشميين اللي انت عارفهم أكتر باسم العباسيين.

قصة سقوط الدولة الأموية مش هي موضوعنا النهاردة بس إنت محتاج تفهم حاجتين .. أول حاجة إن العباسيين قالوا إن كل الحاجات الغلط اللي عملها الأمويين إحنا مش حنعملها .. ثانياً هم عارفين إن مركز قوتهم هي إيران و أفغانستان و بالتالي شبه الجزيرة العربية و بمعني أدق أهل مكة المكرمة و المدينة المنورة مش بيثقوا فيهم أوي لسبب بسيط وهو إنهم ميعرفهومش .. صحيح إن نسب العباسيين و إسمهم جه من سيدنا (العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي) رضي الله عنه عم النبي عليه الصلاة و السلام واللي من إسمه أهو الرجل من مواليد قريش بس فعلياً محدش في مكة المكرمة ولا في المدينة المنورة يعرف حاجة عن العباسيين دول .. يعني خد مثلاً (السفاح أبو العباس) أول خلفاء الدولة العباسية .. من دلوقتي حاول تبقي فاهم إن العباسيين كانوا بيعشقوا حاجة إسمها أسماء الشهرة .. يعني مثلا ً(السفاح أبوالعباس المرتضي القائم) ده يبقي إسم الشهرة بتاع أول خليفة عباسي لإن إسمه الحقيقي هو (عبدالله بن محمد) ..  كنت إمشي في شوارع مكة المكرمة إسأل مين ده يا جدعان؟ ولا حد عارف.

(هارون) إتولد سنة 744 في مدينة إسمها الري يدوبك فردة كعب من العاصمة الإيرانية طهران .. زي ما قلتلك العباسين بدأوا من إيران و أفغانستان و دي مركز قوتهم .. جده يبقي (أبوجعفر المنصور) ثاني خلفاء الدولة العباسية .. تاني (أبوجعفر المنصور) ده إسم الشهرة بتاعه .. إسمه الحقيقي (عبدالله بن محمد) برده .. أبو (هارون) كان اسمه (محمد بن عبدالله) وكان وقت ما (هارون) إتولد و وقت ما كان جده في الحكم كان ماسك ولاية خراسان اللي هي دلوقتي أفغانستان .. سنة 775 بيموت الخليفة العباسي الثاني (أبوجعفر المنصور) وقت ما كان (هارون) عنده حوالي 11 سنة عشان يجي أبوه (محمد بن عبدالله) يمسك الحكم واللي عشان يمشي مع سلو بلدهم سمي نفسه (المهدي).

(المهدي) مشي علي نفس سياسات أبوه واللي هي إمتداد لسياسة العباسيين ككل .. إحنا مش زي الأمويين .. إذا كان خلفاء الأمويين الأخرانيين مكنش حد بيشوفهم في الجامع فخلفاء العباسيين هم اللي بيأموا الناس في صلاة الجمعة .. إذا كان خلفاء الأمويين الأخرانيين كانوا معزولين عن شعبهم و مش داريانيين بالدنيا فخلفاء العباسيين بيستقبلوا الرعية في البلاط الملكي عشان يسمعوا شكاوي الناس .. دي كانت السياسة العامة للعباسيين .. دي كانت التعليمات اللي بتروح للولاه بتوعهم في مختلف أنحاء الدولة .. أموا الناس في الصلاة بنفسكوا .. أسمعوا شكاوي الرعية .. الطريقة دي في الحكم بتخلي الدنيا تمشي بسلاسة إلي حد ما .. فكرة إن رأي الناس بيتسمع من الحاكم بيخلي الشعب معندوش أي مبرر للثورة أو الغضب .. عندك مشكلة فسهل عليك إنك تروح تقابل الخليفة شخصياً وده في حد ذاته بيهيدك .. ممكن الخليفة ميحلش مشكلتك بس فكرة إنه قابلك و وفرلك من وقته بتخليك كمواطن حاسس إنك خدت علي قفاك بس إنت سعيد و مبسوط.

بس يمكن بداية قصة (هارون) بتبدأ لما الناس صحيت علي خبر إن (المهدي) حط من بدري أوي تسلسل إنتقال السلطة .. الغريب إن (المهدي) لما مسك السلطة سنة 775 كان يدوبك عنده 30 سنة يعني لسه صغير بس يمكن عشان هو كان خايف إن العمر لحظة فهو إختار إبنه (موسي) كولي عهد و كمان إختار إبنه الثاني (هارون) كنائب ولي العهد .. تقدر تقول جاب الولي العهد و الإستبن بتاعه .. في السنة الثانية من حكم (المهدي) اللي هي سنة 777 عمل واحدة من أهم المناورات السياسية في حياته واللي الحقيقة لازم تقف قدامها و تسقفله عليها.

فاكر لما قلتلك إن مشكلة العباسيين إن أهل مكة المكرمة و المدينة المنورة ميعرفوش حاجة عنهم؟ .. في السنة دي اللي هي 777 (المهدي) راح يحج و خد معاه ابنيه (موسي) و (هارون) .. في الزيارة (المهدي) كان ولا أجدعها مرشح إنتخابي في أميركا .. إتكلم مع الناس بمنتهي الود .. وهو هناك إتقاله ان الكعبة حتقع .. ليه كفا الله الشر؟ .. قالك عشان من ساعة ما الخليفة الأموي (عبدالملك بن مروان) حط كسوة الكعبة وكل خليفة يجي وراه كان بيحط كسوة فوق الكسوة .. أكثر من 100 سنة عدت و أكثر من  100  كسوة وده كان عامل حمل علي الأساسات بتاعة الكعبة .. وزن الكسوات لوحده كان تقيل .. (المهدي) قرر إن الكسوات المتراكمة دي كلها تتشال وده كان مشروع ضخم وقتها .. مش بس كده .. (المهدي) شرح لأهل مكة و المدينة خطته لإنتقال السلطة وخلي أهل المدينتين يبايعوا (موسي) و وراه (هارون) .. ومش بس كده .. (المهدي) وزع علي أهل مكة و المدينة نص مليون دينار ذهب كمنحة .. علي فكرة 300,000 دينار ذهبي جم من مصر و ال200,000 الباقيين جم من اليمن.

المرحلة الثانية من حياة (هارون) .. النسخة العباسي من (محيي الشرقاوي):

مفيش حاجة تخليك تفهم شخصية (هارون) غير انك تبقي عارف إن حالته تعتبر هي هي حكاية (محيي الشرقاوي) اللي هي الشخصية اللي قدمها (محمد هنيدي) في فيلم فول الصين العظيم .. في الفيلم (محيي) مكنش عايز يبقي مجرم .. مكنش عايز يروح الصين .. بس جده هو اللي أجبره .. (محيي) مكنش عايز غير إنه ياكل فول بأوطة .. ده بالضبط حال (هارون) .. هو لا كان عايز يحكم ولا عايز يتشحطط .. هي المشكلة كلها في أبوه و أمه .. كل واحد فيهم كان راسم ل(هارون) نفس المستقبل بس لأسباب مختلفة .. أبوه (المهدي) كان مرعوب من اليوم اللي البلد متلاقيش فيه خليفة شرعي .. هو صحيح أعلن إبنه (موسي) ولي عهد بس إفرض (موسي) مات .. يبقي لازم الإستبن يبقي جاهز وهي دي الحقيقة اللي إنت محتاج تفهمها إن أبو (هارون) مكنش شايفه غير إستبن لأخوه .. حاول تغمض عنيك للحظة و تتخيل أزاي تبقي دي العلاقة بين أب و أبنه .. علي الناحية الثانية أم (هارون) وكان إسمها (الخيزران) تعتبر واحدة من أهم الشخصيات النسائية في تاريخ الحضارة الإسلامية .. هي كانت بتحب (هارون) عن (موسي) .. أيوه بتحصل أن الأمهات تلاقيها بتحب عيل أكتر من الثاني .. هي برده كانت شايفه إن لازم (هارون) يستعد لليوم اللي يقعد فيه علي الكرسي بس اذا كان أبوه شايفه إستبن فهي كانت شايفاه الأجدر بالحكم .. ده قصاد إن (هارون) نفسه مكنش في دماغه .. لو تسأله نفسك في إيه يقولك عايز أفخد بس قصاد قوة شخصية أبوه و أمه ملقاش حيل غير نفس اللي كان بيعمله (محيي الشرقاوي) .. إنه يقول حاضر.

(المهدي) برده مكنش سهل .. هو كان فاهم إبنه كويس وعشان كده هو جابله (يحيي بن خالد بن برماك) عشان يبقي أستاذه .. اللي هو حاجة كده شبه لما الملك (فيليب) ملك مقدونيا جاب (أرسطو) عشان يبقي المدرس الخصوصي لإبنه (الإسكندر) .. علي الناحية الثانية (موسي) زي ما يكون إتولد عشان يحكم .. الواد بيحب السياسة و الإقتصاد و قعدة البلاط الملكي .. سنة 780 لما (هارون) كان يدوبك عنده 16 سنة  كان أول إختبار بحق و حقيقي يتحط فيه لما أبوه حطه علي جيش وقاله روح قود حملة عسكرية ضد الإمبراطورية البيزنطية.

المرحلة دي من حياة (هارون) إتمجدت زيادة عن اللزوم و الحقيقة أنا مش فاهم ليه .. زي ما قلتلك (هارون) مكنش عايز في حياته غير إنه يفخد .. فجأة إتقاله انت تلبس الدرع ده و  تركب الحصان ده و تقود الجيش اللي هناك ده عشان تروح بيه جنوب تركيا و تيجي تاني .. فعلياً الحملات العسكرية ضد الدولة البيزنطية مكنتش حاجة مهمة أوي يعني .. هي كانت كورس تدريبي لأي أمير عشان ياخد يشوف بعنيه و يفهم يعني إيه حروب؟ و يعني إيه تشكيلات قتالية؟ و إيه الفرق بين المشاة و الخيالة؟ و يعني إيه خطوط إمداد؟ إزاي تحسب الجيش بتاعك محتاج أكل و شرب قد إيه؟ و إزاي ترسم مسار حملتك العسكرية بحيث متمشيش كتير وفي نفس الوقت متبعدش كتير عن مصادر المياه .. الفكرة إن كل سنة تقريباً الجيوش الإسلامية سواء بتاعة الخلافة الأموية أو العباسية كانت بتروح جنوب تركيا تهاجم كام مدينة و قرية و تأسرلها كام عبد و تيجي .. بس خلي بالك .. لو إنت نفذت حملة عسكرية زي دي بجيش صغير فانت معرض إن البيزنطيين يعملولك كمين محترم و تفقد القوات بتاعتك واللي زي ما قلتلك بيكون غالباً بيقودها أمير لسه بيتعلم يعني إيه حروب فحتبقي مصيبة .. في نفس الوقت لو رحت بجيش كبير فإنت حيطلع عينك عشان توفرله الأكل و الشرب و السلاح و الدواء و حيبقي كابوس لوجيستي وده الدرس اللي المفروض (هارون) كان يتعلمه.

في الحملة دي حصل تاتش بين (هارون) و بين المؤسسة العسكرية .. قادة الجيش مكنش عاجبهم تكبير الدماغ اللي كان فيه (هارون) .. أي حاجة يقول حاضر .. طب رأيك إيه يا سيادة الأمير؟ يقولك مش عارف شوفوا الصح و إعملوه .. في الحملة دي الإنطباع اللي إتزرع في المؤسسة العسكرية بإن (هارون) ده في عايش في اللا لا لاند .. صحيح الحملة العسكرية نجحت .. صحيح الحملة رجعت بعدد كبير من الأسري المسيحيين اللي أعيد توطينهم في العاصمة بغداد و الكنيسة اللي إتبنت عشانهم أتعرفت بعد كده بإسم كنيسة دار الروم .. بس فضل الإنطباع ده هو اللي عند المؤسسة العسكرية بخصوص (هارون) لحد سنة 782  لما (هارون) قاد حملة عسكرية تانية برده في جنوب تركيا .. في الحملة دي الحظ خدم (هارون) إن الإمبراطورة (أيرين) بعتتله جواب بتطلب فيه الهدنة .. (هارون) عشان من حملته الأولانية إتعلم أهمية خطوط الإمداد فهو وافق علي الإنسحاب من أراضي الدولة البيزنطية في مقابل إن الإمبراطورة تفتح أسواق المدن البيزنطية اللي في طريق العودة عشان قوات الدولة العباسية تجيب الأكل و الشرب اللي يكفيها .. فيه ناس جوه المؤسسة العسكرية بصت لنفسها و قالت طب ما الواد يجي منه أهو .. الأهم إن المؤرخين و الأدباء و الشعراء اللي طبعاً بياخدوا فلوس من (الخيزران) رسموا (هارون) بعد اللي حصل ده و كأنه سيدنا (خالد بن الوليد) رضي الله عنه بعث من جديد .. تاني حياة (هارون) هي مسلسل مش بيخلص من الأفورة.

في أغسطس 785 الدولة صحيت علي خبر وفاة (المهدي) رغم إنه كان لسه عنده 40 سنة .. تاريخ المرحلة دي من الدولة الإسلامية حتسمع فيه هبد كتير ومحدش عارف الحقيقة فين .. يعني مثلاً .. هل تعلم إن فيه مؤرخين قالوا إن (المهدي) مات في حادثة صيد إنه وقع من علي حصانه و في نفس الوقت فيه مؤرخين تانيين بيقولوا إن مات مسموم بعد ما أكل تفاحة سممتها واحدة من حريمه عشان تخلص من واحدة تانية من حريمه .. إنت متخيل فيه ناس راحت فين و ناس راحت فين .. غالباً الحقيقة في النص بين الإتنين Extremes .. المهم إن بناء علي خطوات إنتقال السلطة اللي حطها (المهدي) فابنه (موسي) مسك هو الحكم و برده عشان يمشي ورا سلو بلدهم سمي نفسه (الهادي).

اللي كانوا فرحانين و بيزقططوا إن (موسي) مسك الحكم كانوا اثنين .. أول ناس كانت المؤسسة العسكرية اللي كانوا خايفين من (هارون) علي أساس إنه (سوري في الكلمة يعني) عبيط و ملهوش فيها .. في نفس الوقت تاني حد كان فرحان أوي هو (هارون) نفسه .. ياااااه أخيرا حيفخد .. الرجل كان لسه متجوز جديد من واحدة إسمها (زبيدة بنت جعفر) و أكيد يعني كانت زي القمر أصل مفيش بنت كان اسمها (زبيدة) و مكنتش حلوة .. بس ده ميمنعش إن كان فيه ناس زعلانة و أخص بالذكر هنا ست الكل (الخيزران) هي و عيلة البرامكة ودي اللي منها (يحيي بن خالد بن برماك) استاذ (هارون) واللي كان معاه طول الوقت .. فضلت الدنيا بتغلي علي نار هادية لحد ما جت الإشاعة اللي لما إتعرفت ولعت في البلاط الملكي كله.

الإشاعة إن المؤسسة العسكرية كانت بتزن فوق دماغ (موسي) إنه يلغي خطوات إنتقال السلطة اللي حطها أبوه (المهدي) واللي كانت بتقول إن بعد وفاة (موسي) يجي مكانه أخوه (هارون) بحيث إن اللي يجي بعد (موسي) هو إبنه (جعفر) واللي كان وقتها لسه عيل صغير .. عارف المشكلة فين؟ .. فاكر لما (المهدي) راح زار مكة المكرمة و المدينة المنورة وخلي الناس هناك تبايع (موسي) كولي عهد و (هارون) كنائب ولي العهد؟ .. طب أفرض لما (موسي) يقلش (هارون) فيجي (هارون) يعلن الحرب الأهلية فساعتها كل الناس اللي أقسمت بالولاء ليه حتقف في صفه .. حتيجي تقولي ياسطي ما انت لسه قايل إن (هارون) مكنش عايز غير إنه يفخد و يتبسط مع مراته حقولك متنساش أمه .. (الخيزران) كانت شخصية جامدة زحليقة .. هي مش بس كانت مراة الخليفة جوزها (المهدي) دي كانت النائب بتاعه .. لما جوزها (المهدي) ميبقاش في بغداد أو يكون تعبان كان الوزراء و قادة الجيش بياخدوا أوامرهم منها .. أنت متخيل ست زي دي لو شمت خبر بأن (موسي) حيقلش (هارون) من تسلسل الحكم ممكن تعمل إيه؟

الإشاعة فضلت تكبر و تكبر .. في الأول (الخيزران) مكنتش مصدقة إن ممكن إبنها يعمل كده في أخوه لحد ما جالها خبر بإن (الهادي) زعق في وزراءه لما عرف إنه لما مكنش موجود في بغداد هم راحوا ل(الخيزران) يسألوها يعملوا إيه زي ما كانوا بيعملوا وقت أبوه (المهدي) .. هي إتقالها إن إبنها هزق وزراءه و قالهم إيش دخل الحريم في شغل الرجالة؟ .. الكلمة دي كانت زي السكينة اللي إتغرزت في قلب (الحيزران) .. إزاي إبنها يقول كده؟

المرحلة الثالثة من حياة (هارون) .. مات الملك .. يحيا الملك:

في سبتمبر 786 البلد صحيت علي خبر وفاة (الهادي) .. ياعيني مقعدتش غير يدوبك سنة علي الكرسي .. تاني زي ما برده المؤرخين هبدوا في موت أبوه فبرده المؤرخين هبدوا في موت (الهادي) .. فيه ناس قالت إنه مات موتة طبيعية .. ناس تانية قالت إن (الخيزران) قتلته .. ناس تالته قالت إنه كان في السرير مع واحدة من حريمه وهو نايم هي حطت المخدة علي وشه وخنقته لحد ما مات .. أيا كان اللي حصل خلينا نبقي متفقين إن (الخيزران) إستغلت وفاة إبنها عشان تنفذ إنقلاب سلمي علي السلطة .. رجالتها راحوا صحوا (هارون) في نص الليل و ياعيني هو تخيل إن الناس اللي جتله البيت دول كانوا رجالة أخوه اللي كانوا جايين يقبضوا عليه .. رجالة (الخيزران) برده قبضوا علي (جعفر) حفيدها و ابن (موسي) و حطته رهن الإقامة الجبرية .. في نفس ليلة موت (موسي) إتنصب (هارون) خليفة خامس للدولة العباسية و سمي نفسه (الرشيد).

أحلي سنين في حياة (هارون) هم اللي عاشهم بعد ما بقي خليفة .. الرجل مفخد وفعلياً مبيعملش حاجة في حياته .. أمه (الخيزران) كانت هي الخليفة فعلياً وهي اللي كانت بتحكم .. أستاذه (يحيي بن خالد بن برماك) بقي وزيره اللي هو تقدر تقول منصب رئيس الوزراء دلوقتي .. عيال (يحيي) اللي هم (جعفر) و (فضل) كانوا صحاب (هارون) و أقرب مستشاريه .. سنة 794 (فضل) إتعين والي خراسان اللي هي أفغانستان و كانت شاطر جداً في شغله .. الدنيا فضلت هادية .. الفلوس كتير .. العز كتير .. و طبعاً الأدباء و الشعراء و المؤرخين ياخدوا فلوس باليمين و يكتبوا بالشمال يمجدوا في إنجازات (هارون) مع إنه أرجع و أقولك مكنش بيعمل حاجة .. ده السبب إن (هارون) كان صاحب الرقم القياسي في عدد الحجات اللي يعملها خليفة عباسي برصيد 8 حجات .. مش عايز أقول إنه مكنش لاقي حاجة يعملها بس خلينا نبقي متفقين إن لو (هارون) كان مسحول بنفسه في إدارة الدولة تقريباً مكنش حيبقي عنده وقت يروح يحج 8 سنين .. كل حاجة زي الفل لحد ما جت سنة 792 ودي السنة اللي (هارون) زي ما أبوه عمل قال للناس هو مين اللي حيمسك الحكم وراه .. بداية من دلوقتي لحد ما أخلص الحكاية إنت حتبدأ تهرش في شعرك و تحس إني زي ما أكون بعيد نفس الأغنية من الأول .. أنا بقول من دلوقتي أهو عشان متجيش كمان شوية تقولي إن التاريخ بيعيد نفسه.

(هارون) في السنة دي أعلن إن ابنه (محمد) حيكون هو ولي عهده .. جدير بالذكر إن (محمد) وقتها كان عنده 5 سنين بس .. المفروض هنا إنك تسألني أو تسأل نفسك سؤال مهم .. إشمعني (محمد)؟ .. إجابة السؤال ده إن زي ما قلتلك (هارون) يبقي النسخة العباسي من (محيي الشرقاوي) .. هو ماشي بمبدأ كلمة حاضر بتريح.

(هارون) باسم الله ما شاء الله خلف 12 ولد و 11  بنت .. طبعأ حبقي بهزر لو كلمتك عنهم كلهم .. محدش فاضي للهري ده .. انا يهمني إني أتكلم عن ولدين من عياله .. (محمد) و (عبدالله) .. (محمد) اللي هو أختاره ولي عهد ليه يبقي إبنه من مراته (زبيدة) وهي أساساً شخصية قوية جداً جوه البلاط الملكي و كانت بنت ناس الصراحة فكلمتها بتتسمع و طبيعي إنها تحب إن إبنها يبقي هو الخليفة بعد أبوه .. دي نقطة .. فاكر (فضل بن يحيي)؟ .. (فضل) كان مقتنع بإن من مصلحته الشخصية إن اللي يمسك ورا (هارون) يكون (محمد) .. (فضل) كان ملياردير .. بما إنه كان والي خراسان اللي هي كانت أهم ولاية عباسية فكان تحت إيده ثروة محترمة صرف منها ملايين كرشاوي لقيادات المؤسسة العسكرية عشان يقسموا بولاءهم ل(محمد) .. كنوع من أنواع التشبيه حاول تتخيل إن (محمد) كان المرشح الرئاسي للإنتخابات الأميريكية اللي مدعوم بمليارات اللوبي اليهودي هناك .. كل ده و(محمد) كان أساساً لسه عنده خمس سنين زي ما قلتلك عشان بس منظلمش الواد .. ده معناه إن إختيار (محمد) مكنش بمزاج (هارون) .. هو أجبر علي كده .. أي رجل متجوز عارف يعني إيه مراته تكون عايزه حاجة و تفضل تنكد عليه لحد ما تاخد اللي هي عايزاه .. لحد ما جت سنة 798 (هارون) عين إستبن لإبنه (محمد) وكان إبنه الثاني (عبدالله) .. (عبدالله) ميفرقش كتير عن (محمد) .. اذا كان (محمد) أمه تبقي (زبيدة) بنت الحسب و النسب فبرده (عبدالله) أمه إسمها (مراجل) من كبار عائلات أفغانستان.

هنا لك إن تتخيل نكد النسوان .. كل أم عايزه إبنها يمسك الحكم .. كل أم خايفة علي إبنها من غدر الثانية .. كل واحدة فيهم بتزن .. و لإن الزن علي الودان أمر من السحر فسنة 802 (هارون) قرر إنه يحل الموضوع ده بإنه راح يحج و خد معاه عياله الإثنين (محمد) و (عبدالله) .. وهو هناك وزع ملايين الدنانير الذهبية كمنح و هدايا علي أهل مكة المكرمة و المدينة المنورة و كمان عرض علي الناس خطته للإنتقال السلمي للسلطة .. والله عارف إنك بتقول ده نفس اللي عمله أبوه بس معلش إستحملني .. الخطة كانت كالأتي:

• (محمد) حيمسك الحكم بعد أبوه (هارون) .. بعد (محمد) يجي (عبدالله) حتي لو (محمد) كان مخلف عيال.
• ·         (عبدالله) لما أخوه يحكم فهو حيبقي والي خراسان واللي بفكرك تاني إنها أهم ولاية عباسية .. مش بس كده .. (عبدالله) حيبقي له شبه حكم ذاتي علي خراسان .. ده معناه إن من حق (عبدالله) يستخدم مؤسسات الدولة زي ما هو عايز في مقابل إن لو (محمد) إحتاج مساعدة عسكرية من (عبدالله) ف(عبدالله) ميقدرش يتحجج و يقول مش حينفع.
• بما إن (محمد) هو الخليفة فلو هو نقض أي نقطة من نقط الخطة دي فسيتم عزله من منصبه و يتولي (عبدالله) الخلافة مكانه.

الإتفاق ده إتمضي عليه من (هارون) و (محمد) و (عبدالله) و الورقة اللي إتمضت إتعلقت علي الكعبة المشرفة .. تلاقيك بتقول سهلة أهي و إتحلت .. كده الدولة الإسلامية ضمنت الإنتقال السلمي للسلطة لسنين قدام .. سنة 803 بعد ما رجع من الحج (هارون) هد كل حاجة هو عملها .. هو طلع قرار إعتقال أستاذه (يحيي بن خالد بن برماك) و إبنه (فضل) اللي بفكرك إنه كان والي خراسان .. عارف (عشماوي)؟ .. أهو (هارون) كان له (عشماوي) بتاعه وكان إسمه (مسرور) وإداله أمر بقتل (جعفر) اللي يبقي أقرب صاحب ل(هارون) و إبن (يحيي) و أخو (فضل) .. (جعفر) إتقتل و جثته إتقطعت حتت و إتعلقت علي كباري بغداد.

يمكن انا عارف دلوقتي إنك فعلياً مش فاهم إيه اللي حصل؟ .. إيه اللي خلي (هارون) يقلب كده؟ .. هل ده حاجة شبه في مسلسل Game of Thrones لما (دينيريس تارجاريان) أعصابها فلتت و قررت تحرق العاصمة رغم إنها عرفت إنها خلاص انتصرت؟ .. الحقيقة إن محدش عارف .. فيه نظريات بس محدش عارف الحقيقة فين .. وجهة نظر ناس إن فعلياً (هارون) عرف إنه مش هو اللي بيحكم .. اللي كان بيحكم هم البرامكة .. نفوذ (فضل) و (يحيي) و (جعفر) خلاهم فعلياً دولة جوه الدولة .. (هارون) مكنش عايز (محمد) يبقي هو ولي عهده وكان عايز (عبدالله) بس هم أجبروه علي ده .. أو يمكن (هارون) أقنع نفسه بكده عشان يعرف يبص لنفسه في المراية و يعرف ينام بالليل مستريح .. أيا كان مبرر القرارات دي بس اللي نقدر نتفق عليه إنها زي ما تكون إنت شغال علي الكومبيوتر بتاعك و يجي أخوك الصغير يشد فيشة الكهرباء .. البلد كلها وقفت .. لسنين و البرامكة هم اللي بيحكموا .. (يحيي) كان رئيس الوزراء و عارف كل صغيرة و كبيرة .. (فضل) حاطط المؤسسة العسكرية في جيبه .. الإتنين كان ليهم أنصار كتير و مريدين كتير من فنانين و علماء و رجال أعمال .. الشارع بقي بيقول يعني انت يا (هارون) بقالك سنين مفخد ومش شاغل بالك بهي البلد بتمشي إزاي ويوم ما قررت تحط تكحلها عميتها؟

رئيس الوزراء الجديد (فضل بن الربيع) فعلياً طلع عينه عشان يخلي المكنه تشتغل تاني بس الموضوع كان بطيء .. تدخلات (هارون) مخلصتش علي كده .. هو عين إبنه (عبدالله) والي علي خراسان و يوم 24 مارس 809 توفي (هارون) وكان يدوبك في اواخر الاربعينات ومع وفاته بتبدأ واحدة من أهم مراحل تاريخ الدولة العباسية .. الحرب الأهلية بين إبنه (محمد) اللي سمي نفسه بعد كده (الأمين) عشان زي ما قلتلك خلفاء الدولة العباسية كانوا بيحبوا أوي يبقي ليهم أسامي مستعارة و بين إبنه الثاني (عبدالله) اللي سمي نفسه (المأمون).

إنت من حقك تقيم (هارون) زي ما انت عايز .. قول عليه ظالم او مظلوم .. براحتك .. انا بس عايز اقولك إن في رأيي أنا الشخصي الجملة اللي تلخص حياته هي إن الطريق لجهنم مليان بالنوايا الطيبة .. هو ممكن يكون فعلاً كانت نيته خير .. بس خلينا نبقي منصفين إن خطة إنتقال السلطة بتاعته بين (محمد) و (عبدالله) كانت هي السبب في واحدة من أبشع الحروب الأهلية في تاريخ الحضارة الإسلامية ودي قصة تانية ممكن نبقي نتكلم عنها وقت تاني.

المصدر:

فيديو بعنوان Harun al-Rashid, The Golden Prime| 766CE-809CE| Abbasid Caliphate #3 نشر YouTube وده لينك الفيديو:
https://youtube.com/watch?v=OcMFwazVJaU&feature=share&fbclid=IwAR2_yNnMIgnZL05nBqh-eMZZRqvffQ5praczxHhFIukDvZYEGeb4aXf5KZQ